أخر الاخبار

 قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الثالث عشر (المصيدة)

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الثالث عشر (المصيدة)


1- رسالة من لويس إلى مرجريت

(أ‌) لويس التاسع يتحدث عن انتصاراته، ويعترف بشجاعة العرب:

((تناولت مرجريت رسالة الملك لويس، وجعلت تنظر فيها، وابتسامتها تتسع شيئا فشيئا، معبِّرة عما تجد فيها من الأمل:

"تقدمنا يا عزيزتي من دمياط بهمة، حتى بلغنا فارسكور بجانبنا شوانينا الضخمة تتهادى في مياه النيل الجارية، وبعد قتال مرير انتزعنا هذه المدينة، وأقنعتنا هذه المعركة بأننا كنا واهمين حين ظننا العرب خائفين، وأن امتلاك بلادهم ميسور لن يكلفنا عناء كبيرا.

ثم انطلقنا مسرعين إلى المنصورة، وألقينا مراسينا على البر المقابل لها، لا يفصلنا عنها سوى بحر أشموم.

ولو رأيت جنودنا الذين يملئون السهل، وخلفهم المروج الناضرة لطار بك السرور إلى فرنسا، يريك البوْن الشاسع بينها وبين هذه الديار حلمنا القديم.

ومن العجب أن العرب لا يريدون أن يلقوا السلاح ويرفعوا راية التسليم، وهم يرون أعدادنا وحماسنا وقوتنا، ولا نراهم إلا عازمين على القتال، مستعدين له بقلوبهم وصدورهم، غير مهتمين بما يرون من قوتنا، وقد احتضنا لهم وحفزنا الخنادق حولنا ونصبنا المجانيق الباطشة.

هم أمامنا نراهم رأي العين، وقد عزمت على الالتحام بهم، وإذا سقطت المنصورة، فلن يبقى أمامنا إلى القاهرة عائق يذكر لا تقلقي يا ملكة الشرق، فسوف نبلغ الهدف، وإن كان الوقت الذي حددته لدخول القاهرة سيتأخر قليلا، وسوف ندخلها قبل انقضاء هذا الأسبوع فاستعدي")).

(ب‌) إعجاب لويس التاسع بجو المنصورة، وانزعاجه من صوت المآذن:

(("الجو جميل فاتن، والهواء لطيف رقيق والمكان بهيج رائع ولا يعكر صفونا غير مأذن المسلمين العالية، وأصواتها التي تنبعث منها قبل طلوع الفجر".

"ويزيدنا إقلاقا ذلك الضجيج المنبعث من مضارب الملمين ومن المنصورة كلها لأنهم كما يقولون في شهر لهم يسمى رمضان، يصومون فيه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يأكلون ويشربون طوال ليلهم ويغلقون أفواههم مع طلوع الفجر، ثم يُتمُّون الصيام إلى الليل، وفي النيل يوجعون قلوبنا بآيات القرآن التي يتلونها، لا يفترون ولا يهجعون ومن أعجب العجب أنهم مع هذا الجوع الذي فرضوه على أنفسهم طوال يومهم، فهم يقضون النهار كله في عمل وجدِّ ونشاط وحركة!")).

(جـ) لويس التاسع يحدث مرجريت عن شجر الدر:

(("نسيت يا عزيزتي أن أحدثك عن تلك المرأة العجيبة التي تقود المعركة، والتي تُمسى شجر الدر شيطانة خلقت من حديد لا تُكل ولا تمل تضع الخطط، وتوجه المملكة في جميع شئونها بدقة وإحكام، ولاتزال توهم الناس بأن السلطان في سريره، حيَّ يتماثل للشفاء.

ستصبح بعد قليل جاريتك، أقدمها لك هدية النصر، تًذلينها وتذلِّين بها المسلمات وتقدعين بها أَنوفَهًنَّ المتكبرة.

لويس سيملك مصر والشرق، انتظري أخبارا سارة)).

2- شجر الدر تستعد للمعركة:

((في ذلك الوقت كانت شجر الدر تعمل دائبة الحركة، تشجع الجنود، وتدفع الخطباء إلى القول، وترسل الأخبار إلى البلاد، وتتلقى الأنباء من جوانب المملكة، وتعد الأبطال بالجوائز السَّنية، وتدفع الفدائيين إلى العمل.

وبفضل عزمها وثباتها وروحها الوثابة نشط الناس للجهاد، ازدادت فرق الفدائيين، وتحالفوا على الموت في سبيل الله والوطن، وانطلقوا يسبحون إلى الفرنج، ويهاجمونهم في أستار الظلام وفي وضح النهار، يخترعون من الحيل ما يخدعونهم به ثم يتصيدونهم ويعودون بهم إلى مضاربهم لم يضيعوا ساعة ولم يغفلوا لحظة.

حتى في يوم عيد الفطر استأنفوا نشاطهم بعد أداء الصلاة، والتحموا مع الفرنج في معركة حامية، غنموا فيها كثيرا من الغنائم، وقتلوا كثيرا من الجنود، من بينهم قائد من كبار القواد، جزع لويس لفقده أيما جزع وهي تتلقى البشائر وتطيرها إلى القاهرة، فتتلى في المساجد والمجتمعات، فتُقوى القلوب وتهدى النفوس، وتحمس من تخلف عن الجهاد، فيسرع بالسير إلى المنصورة لكيلا يفوته ذلك الشرف.

وكلما أحرز الأبطال انتصارا طار البشير إلى شجر الدر:

"في السابع من شوال، هاجمنا شنيَّة كبيرة فيها مائتا رجل من الفرنج بينهم (كونت) كبير وأسرناها!".

"في منتصف شوال التحمنا بهم في برهم وأسرنا منهم أربعين فارسا بخيولهم!".

"في آخر شوال، أحرقنا سفينة كبيرة من سفنهم، والتحمنا معهم في معركة فُزنا فيها بنصر كبير!".

تتلقى شجر الدر هذه الأخبار، وتبعث بها وبالأسرى إلى القاهرة أفواجا تلو أفواج فيطاف بهم في الشوارع والأزِقَّة، ويعلو التكبير وترتفع الأيدي بالشكر لله والدعاء له أن يتم نصره ويهزم أعداءه)).

3- منع الفرنسيين من إقامة الجسر:

((حتى رأى لويس أنه سيفقد جيشه بعضا وراء بعض إذا استمر هذا الحال، ورأى أنه لا بد من معركة يتلاقى فيها الجيشان.

وجمع قواده ومهندسيه، وجعلوا يتداولون الرأي، واتفقوا على أن يقيموا جسرا على بحر أشموم يعبرون عليه، وهبوا إلى العمل، يدفعهم الخوف والأمل، حتى أتموا منه بعض أمتار وكانت شجر الدر يقظة لما يصنعون، فجمعت القواد والمهندسين، وتدارسوا الموقف ثم اتفقوا على أن يتم الهجوم على الفرنسيين أثناء إقامتهم الجسر، أولا بأول وتم تنفيذ الخطة بنجاح وعجز الفرنسيون عن إقامة الجسر، كما اشتد هجوم الفدائيين عليهم وأثار الذُعر في قلوبهم، ولويس حائر يصيح قائلا في عجب:

"كيف هذا ؟! أليس لهذا البلاء ومن دواء؟!")).

4- إقامة الفرنج للبرجين:

((وأخيرا تفتقت أذهانهم عن فكرة ظنوها ستحميهم، أن يبنوا برجين كبيرين من الخشب بالرجال والقذائف، يلقون منهما قذائفهم، ويحمون بها العمال الذين يقيمون الجسر، وبدأ العمل، وتحرك الجسر ليمتد إلى الشاطئ الآخر.

قالت شجر الدر لقوادها ومهندسيها:

"ما العمل؟ الجسر يتحرك والبرجان يتحركان معه، ولا بد من الإسراع بإيقاف ذلك الخطر!".

وكان الجواب حاضرًا:

"لا تخافي يا مولاتي، فلن يصلوا إلى شيء مما يبغون سنقذفهم بالنار العربية التي لا يعرفونها!".

وفي ظلام الليل، والفرنج جادون في إقامة الجسر، وجنودهم يحرسون البرجين في حذر، ولويس يتعجلهم، شقت الجو نار مستقيمة مثل الأسطوانات الكبيرة، تجزُّ خلفها ذيولا كالحراب الطويلة، تحيل الليل نهارا، وتهز بدويها الأرجاء، وتكشف مضارب الفرنج ثم تنقض عليهم كأنها نسور جارحة.

فاشتعلت الحرائق في معسكر لويس وفي البرجين، وارتفع لهبها إلى السماء، والمسلمون على الشاطئ يهللون ويكبرون ويدعون، وأشباح الفرنج في ضوء تلك القذائف تعدو فارَّة من الموت الأحمر الذي يَصبه العرب عليها، قم أقبل البشير إلى شجر الدر يصف الهلع الذي أصاب الفرنج، والفزع الذي تمل لويس، واليأس الذي استولى عليه وعلى جنوده، فباتت مسرورة، تدعو ربَّها أن يتم نصره ويمحق أعداءه)).

5- عربي خائن يساعد الفرنج:

((وقف العمل في الجسر، وخيم السكون على مضارب الفرنج واعتكف لويس في خيمته يفكر وطال به التفكير مغلقًا أمله بمعجزة تنقذه من براثن العرب، وجمع القواد، وجعل وإياهم يفكرون في حلِّ.

وقبل أن يجدوا حلا أقبل أحد الأتباع لاهثا، يُنبئ لويس بأنهم وجدوا رجلا يدلهم على طريق إلى العرب في مقابل مال قليل: مخاضة في بحر أشموم يجتازون منها ويفاجئون العرب، ويأخذونهم أخذا وبيلا!

فصاح لويس غير مصدق: "أرأيت هذه المخاضة رأى العين؟".

"نعم يا مولاي".

فالتفت لويس إلى أخيه الغبي المتسرع (دارتوا) بفرقة الفرسان، وتخترق تلك المخاضة، وتعبر بحر أشموم، وتفاجئ العربي وتشغلهم بالقتال عن الجسر، بينما يجد المهندسون والعمال ويتمونه، فنزحف عليه، ونلتقي بك، وندهم المنصورة، ونفتح الطريق إلى القاهرة")).

6- استشهاد فخر الدين:

((سار (دارتوا) بفرقته خلف ذلك الخائن الذي باع دمته ووطنه بالمال، حتى المخاضة، ثم اقتحمها وخيوط الفجر تنتثر في الأفق وأخذ العرب على غرة ولم يكونوا يتخيلون أن يصل الفرنج إليهم من الأرض أو من السماء.

ونهض فخر الدين ابن الشيخ إلى جواده وقفز على صهوته واندفع إلى الفرنج معجلا دون أن يُعد عدته ليس حوله سوى بعض مماليكه، واقتحم صفوف الأعداء في بسالة فالتفوا حوله، وناوشته سيوفهم من كل جانب فخر صريعا)).

7- شجر الدر تستغيث بالمماليك:

((واندفع (دارتوا) إلى المنصورة حتى بلغ قصر السلطان فصرخت شجر الدر في المماليك البحرية الذين يحرسون القصر وتلتف به دورهم، فأسرعوا إلى جيادهم، وهي تدفعهم من شرفة القصر، وتحثهم على الاستماتة لإنقاذ شرفهم)).

8- اندفاع المماليك إلى الفرنج وقتل دارتوا:

((فالتهبت حماستهم، واندفعوا كالصواعق إلى الفرنج، يتقدمهم ركن الدين بيبرس البندقداري، وقابلوا الأعداء بسيوفهم ورماحهم وصدورهم، والجواري تصرخن من وراء شجر الدر فتصرخ لهن الدماء في عروق الفرسان فلا يبالون بما أمامهم من سيوف ورماح!

وجَّه بيبرس هجومه إلى الكونت (دارتوا) وبعث بفرقة أخرى إلى خارج المنصورة لتحصر المعتدين، وتقطع اتصالهم بقوات الفرنج، وحَمِىَ الطعن والضرب، وطُعن (دارتوا) طعنة نجلاء خرَّ على إثرها يتخبط في دمه، وتمَّت إبادة من حول (الكونت)، ولاذ الآخرون بالفرار تاركين أقفيتهم للرماح والسيوف تأكل منها ما تدركه عائذين بشوارع المنصورة وأزقتها)).

9- القضاء على الفرنج داخل المنصورة:

((وفي داخل المنصورة نشيت مع الفرنج ملحمة بشرية دامية، اشتبكت فيها الأجساد بالأجساد، والسيوف بالسيوف، والرماح بالرماح، وعملت فيها قضبان الحديد والسواطير والسكاكين، وانهمرت على رءوس الفرنج قذائف البيوت من الأسطح والنوافذ، حجارة وطوبًا وأوعية وسهامًا وقطع أثاث، وما امتدت إليه أيدي هؤلاء المدافعين عن مدينتهم قد اتخذوا من البيوت حصونا وقلاعا.

وكان العرب قد جمعوا قواتهم خارج المدينة، وأسرعوا إلى المعركة الدائرة في قلوبها، واشتركوا في إبادة الفرنج، حتى ملئوا بجثثهم الشوارع والأزقة، لم ينجمنهم سوى خمسة قيض لهم البقاء؛ ليُخبروا الباغين بجزاء البغي والعدوان)).

كان عمال الفرنج قد انتهوا فرصة هذه المعركة، وانشغال العرب بها، فجدُّوا في العمل على بناء الجسر، وكادوا يتمونه، فلما بلغهم الخبر الحزين فقدوا عقولهم، وألقوا بأنفسهم في الماء، سابحين في فرق إلى الشاطئ الآخر، قد سبقهم لويس وخاض ببعض جيشه، فانقض العرب عليه، يبيدون رجاله كما أبادوا رجال أخيه، حتى أقبل الليل وحجز بين الفريقين، وأنقذ لويس ومن بقي معه فركبوا الظلام ولاذوا بالفرار)).

10- شجر الدر تشكر ربها على نعمة النصر:

((جلست شجر الدر في عظمة المنتصر شاكرة لربها عونه، ونظرت إلى القواد، ثم قالت في سرور:

"شكرا لك يا بيبرس أرضيت مولاي السلطان، وأرضيت الكرامة والبسالة!".

ثم التفتت إلى (عز الدين أيبك) و(أقطاي) وغيرهما، وأثنت على ما أبدوا من شجاعة وإقدام وأطالت النظر في وجه أيبك، كأنها تُدَبَّر شيئا يخصُّه ثم سألته قائلة:

"ومتى ننتهي يا عز الدين من هؤلاء الأشرار؟"

"إنهم خرجوا جرحا بالغا لا برء منه ولو هاجمناهم وهم يلعقون لأبدناهم جميعا"

قال بيبرس في شجاعة:

"سوفنا رهن إشارتك، وقوتنا في يدك، وقد غدت أرضنا كلها قبورا مفتحة لاستقبال هؤلاء الفرنج فمُري يما تشائين".

قالت في سرور وثقة:

"نحتفل غدا بالنصر، وبعد غدٍ نضع خطة الهجوم الماحق إن شاء الله")).

تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق
  • غير معرف 29 مارس 2024 في 5:04 م

    كانت شجر الدر تحث المماليك البحريه علي الاستماته في قتال الفرنج

    إرسال ردحذف



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -