أخر الاخبار

 قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الرابع عشر (النـــصــر)

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الرابع عشر (النـــصــر)


1- تولية توران شاه مُلك مصر:

((عندما بلغ توران شاه مصر، وذهب مسرعا إلى المنصور، فأعلنت شجر الدر حينذاك وفاة السلطان، وتولية ابنه توران شاه خلفًا له، ولم تُخل يدها من الأمر، إذا لم يكن له هم سوى شهواته ومتعته)).

2- غضب الأمراء من سقطات توران شاه:

((ولم يهتم بالموقف، وبدأ عمله بسقطات أغضبت الأمراء، وملأت القلوب حقدًا عليه، وأرسل إلى شجر الدر يطالبها بمال أبيه، ويحاسبها على ما أنفقته في غلظة وجفاء غير مقدار لها مواقفها المجيدة وما بذلت من جهد في حماية الوطن.

قال الأمراء لشجر الدر في تذمر:

"وما الرأي في هذا الموقف الذي لا يصلح للملك؟! ليس هو الذي يدبر الأمور في هذا الموقف العصيب!".

قالت باسمة:

3- "أليس الوطن أولى بكل تفكير في هذا الوقت، وأحق بكل جهد؟! فلننس كل شيء حتى يتم النصر".

4- "لكنها إهانات متكررة وحمق لا يطاق ولا يسكت عليه، وتصرف يودي بنا جميعا، وإذا كان هذا موقفه منا والمعركة على أشدها، فماذا ننتظر بعدما تضع الحرب أوزارها؟!"

قالت ووجهها ينطق بما في صدرها من الألم:

5- "مدبر الليل والنهار يتصرف يا بيبرس، والذي مد سيفنا إلى عنق (دارتوا) قادر أن يريحنا ويذهب عنا الأذى والحزن! دعنا من توران شاه اليوم، وخلنا في المعركة، وأخبرني بما تم في الخطة الجديدة")).

3- خطة جديدة لإبادة الفرنج:

((قال بيبرس في عزم صادق:

"انتهينا يا مولاتي من صُنع السفن، وسنحملها مُفصَّلة إلى بحر المحلة، وهناك يتم تركيبها، ثم تشحن بالرجال والذخيرة، وتقف في طريق السفن الفرنجية القادمة بالميرة من دمياط، فيموت لويس ومن معه جوعا، إن ركب رأسه ولم يسلم أو يسرع بالفرار".

فَسُرَّت شجر الدر لما سمعت، وجعلت تُطيَّب خوار الأمراء ليرجئوا ما في نفوسهم إلى ما بعد المعركة، فخرجوا مقتنعين برأيها، واندفعوا إلى العمل لينهوا الحرب، وبعدها تلتفت سيوفهم إلى رقبة توران شاه)).

4- أخبار مفرحة تصل إلى شجر الدر:

((ثم زادت الأخبار السارة شجر الدر سرورا، فقد وردت بما يُثلج صدرها ويقوي أملها في النصر:

"أقبلت مراكب الفرنج من دمياط محمَّلة بالزاد والعتاد فباغتتها سُفننا المتربصة لها، فأخذنا مراكبهم الاثنتين والخمسين أخذة رابية وقتلنا منهم نحو ألف وغنمنا كثيرا من الغنائم.

وصلت مراكب الفرنج بالميرة الكثيرة، فالتفت بها سفننا، وقضت عليها جميعها، لم يُفلت واحد من رجالها، وكانت اثنتين وثلاثين مركبا منها تسع شوان.

لويس حائر متفرغ تدور به الأرض، يعيش في مجاعة شرسة يأكل هو وجنوده الحشائش والأسماك وجذور النبات! أصبحوا حيوانات تتقمَّم!

الجيش الفرنجي مهدد بالفناء! بالفناء يشتد في دمياط، ومن فيها هائمون على وجوههم امرأة لويس التاسع جزعة تبكي حظها وتندب زوجها وحملتها! ")).

5- عرض رُسل لويس التاسع وموقف العرب منه:

((ولم يطُل الوقت وأقبلت رسل لويس ذليلة تعرض الصلح وترك دمياط، والعودة بما بقى من الجيش، في مقابل تسليم بيت المقدس وبلاد الساحل من الشام، فصاح بدر الدين مندوب مصر في وجه مندوبي الفرنج ساخرًا:

"ماذا يعرض لويس؟! كيف يُخيَّل إليه أننا سنوافق على هذا العرض، أو نُعيره التفافا؟! ألم يعلم إلى اليوم حرصنا على ثالث الحرمين والقبلة الأولى للمسلمين، وما لها في صدورهم من المكانة العظمى؟! فكيف يسلمونه؟!"

"لن نترك شبرا من أرض الشام، بل يتخلى لنا الفرنج عن كل ما بأيديهم منه، إذا أحبُّوا أن نفتح قبضتنا ونُطلق لويس المسكين، وسنرضى بهذا الثمن إشفاقا ورحمة على هذا المغامر الذي اندفع إلينا في غير روية ولا تدبر ولا علم لنا وبسيوفنا ورماحنا! إنه في قبضتنا القوية، ولن يفلت منها، وقد وضع نفسه في أحرج مكان، فلا إلى المنصورة وصل ولا إلى دمياط عاد، وسوف يقبر في هذا المكان الذي اختاره ليكون مثواه الأخير!"

"كيف ينجو ذلك الباغي من عاقبة طمعه وغروره؟!"

"قولوا له: دمياط والقدس وبلاد العرب كلها وطن واحد، كل جزء فيه كسواه، ولن نفرَّط في قلامة منه فليذُق الحمام وليسكن مصر لا في جناتها ونعيمها، بل في قبورها التي ضمَّت قبله كثيرا من المعتدين الباغين")).

6- سخط جنود لويس:

((عاد رسل لويس إليه، يصفون له ما رأوا وما سمعوا من عزم العرب ورفضهم تسليم شبر واحد من أرضهم، فامتلأت عيناه بالدموع ومن خلف تلك الدموع التي تقاطرت نظر إلى جنده الذين أضناهم الجوع وقرأ ما في أعينهم من السخط والتَّذمر فخاف العاقبة وأصدر الأمر)).

7- انسحاب الفرنج إلى دمياط:

((وبينما كان المسلمون يبدءون عامهم الجديد، فرحين بما أفاء الله عليهم من نصر، وما أنزل بعدوِّهم من هزيمة، وشجر الدر تضع الخطة لإنهاء المعركة، أقبلت الأنباء العاجلة تهز القلوب فرحا:

الفرنج ينسحبون إلى دمياط! يتحركون في سرعة الرياح، مشاة وفرسانا يجرُّون ذيول الخيبة، وسفنهم بجانبهم في النيل، ولم يتركهم جنودنا وطاروا بجيادهم خلفهم يبعثرون مؤخرتهم وينثرون أسلاءها في الطريق وبين الحقول، وهم يفرُّون في هلع من الموت الذي يلاحقهم، ويطحن من يدركه منهم حتى بلغوا فارسكور.

لحق المسلمون بأولئك الفارين ونشبت معركة طاحنة، فهجم بيبرس عليهم في ضراوة وشق صفوفهم أمام جنوده، ومالوا عليهم ميلة واحدة، وأثخنوهم ضربا وطعنا، وسيف لويس جامد لا يجد يدًا تدفعه ولا قلبا يحركه وجنوده حوله لا يحسنون ضربة ولا طعنة، فلم يجد المعتدي سوى الفرار ملتجأ إلى قرية مُنْيَةِ أبي عبد الله، على الشاطئ الشرقي لفرع دمياط، بين فارسكور وشرمساح)).

8- أسر لويس وأخويه:

((فر ذلك الجبان بنفسه، تاركا خلفه ثلاثين ألفا من الضحايا، يتساقط الطير على جثثهم وتجهز الوحوش على من بقي فيه رمق منهم، ولكن أين يٌفلت ذلك الآبق؟!

لاحقنا لويس ومن تبعه فلم يجدوا أمام أفواه الموت سوى أن يرفعوا أيديهم في ذلة يطلبون الأمان ويستسلمون للأسر!

طربت شجر الدر لما سمعت، والتفتت إلى جندها الأبطال الذين زفُّوا الأخبار وقالت بوجه مبسوط:

9- "وماذا صنعتم بملك الفرنج؟! مسكين، كان يُعد نفسه ليكون ملك مصر والشرق، ويعد امرأته لذلك الملك، وتكون شجر الدر جارية لها تُذلها وتذل بها المسلمات! فأين ذهب؟!"

10- "في دار ابن لقمان يا مولاتي أسيرًا يرسف في الأغلال يحرسه الطواشي صبيح!"

11- "وأخواه أنجوا وبواتيه؟"

12- "في القيود يا مولاتي مع الأسرى يلعنان من فكر ومن أشار ومن دبَّر، يودان أن يضمهما قبر أخيهما (دارتوا) الذي لقي حتفه بسيوفنا ويريحا أنفسهما مما يجدان من المذلة!")).

9- التخلص من توران شاه:

((-"وأين السلطان العزيز توران شاه؟!"

13- "في فارسكور يا مولاتي، غارق في لهوه ولعبه، يعزل ويولي وينحِّي الأمراء الأبطال ورجال الدولة المخلصين ويقدم الطائشين من حاشيته اللاهية ويفرق الإقطاعات بغير حساب ويتوعدنا بالقتل والإفناء، وقد انتهت المعركة بيننا وبين الفرنج ولم يبقى سواه!

ابتسمت شجر الدر ابتسامة عريضة كانت إيذانا ببدء العمل، فانصرف الجنود مسرعين إلى فارسكور واقتحموا على (توران شاه) برجه الخشبي وضربه بيبرس بسيفه فقطع أصابعه، ففرَّ إلى أعلى البرج واحتمى به فلم يصعدوا إليه، وأضرموا النار في البرج، فلم يجد مفرا من الموت إلا أ، يلقى بنفسه في النيل فسبح المماليك إليه، أمامهم أقطاي شاهرًا سيفه حتى بلغه فضربه ضربة أطاحت برأسه، وترك جثته تهوي إلى أعماق الماء، ثم عاد إلى الشاطئ وهو يردد في غضب قائلا:

"هذا جزاء من لا يحفظون العهد ولا يقدرون العاملين! جزاء من أعنَّاه وقدمناه ولَّكناه ثم استدار علينا بالأذى!".

ثم أسرعوا يفكرون في الملك الجديد، من يكون؟)).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -