أخر الاخبار

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الخامس عشر (صاحبة الستر الرفيع)

 قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الخامس عشر (صاحبة الستر الرفيع)

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الخامس عشر (صاحبة الستر الرفيع)


1- تولية شجر الدر مُلك مصر:

((خلا عرش السلطنة الرسمي بقتل توران شاه، فاجتمع الأمراء ورجال الدولة يتشاورون، ولم يطل المجلس، واتفقوا على تولية شجر الدر، وتنصيبها ملكة لمصر ولكنهم عادوا

يتساءلون قائلين:

"وكيف تخرج للناس وتواجههم، وتقول لهم ويقولون لها؟! كانت تصدر الأوامر فننفذها وهي من خلف حجابها، فماذا تصنع؟! هل ترضى بالسُّفور ونلقي الحجاب، أو تحكم من وراء النقاب أو السَّتار؟!

الأمر جد وسهل لا تلقى الحجاب، ولا تحكم من وراء الستار بل تقيم واحدا من الأمراء بينها وبين الناس يتحدث باسمها ويبلغهم اوامرها وينفذ ما تريد ")).

2- أيبك نائب عن شجر الدر:

((فاستحسنوا هذا الرأي واتفقوا عليه واركوا لها الخيار، تولى هذا الحجاب من تشاء ممن تثق به وترتاح إليه، فاختارت (عزَّ الدين أيبك) التركماني الجاشنكيز، ولم تختره لأنه أكبر المماليك وأعظمهم وأشجعهم، بل ليكون في يدها طوع إرادتها؛ لما فيه من الطاعة ولين العريكة.

وتم الأمر وكُتِبَ بذلك إلى أرجاء الدولة، ثم طار الحمام بالكتب، يبشر بالسلطان الجديد، ففرح الناس باستقرار الأمور، وكانوا في وجل من الفرقة والانقسام، شاكرين لشجر الدر سرعتها في تلافي الشر، وما كان سينجم إذا تأخر إقامة سلطان جديد)).

3- البلاد تحتفل بشجر الدر:

((احتفلت البلاد كلها بهذه الملكة العاقلة وتبادل الناس التهنئات باليعسوب التي ملأ حبها القلوب، ودوت المنابر لصاحبة الستر الرفيع، والحجاب المنيع ملكة المسلمين شجر الدر أم خليل، ونُقش اسمها على العملة، واجتمعت لها أمور البلاد)).

4- شجر الدر تفكر في خصومها:

((ثم أخذت تفكر في ملك الفرنج المحبوس في دار ان لقمان، مقيدا مثل السواق وقطاع الطريق، وفي أولئك الأسرى الذين تعج بهم الحبوس وفي دمياط ومن بها من الفرنج وتعد المدة لمهاجمتهم والقضاء عليهم وطار فكرها إلى الشام، وحلق فوق دمشق وحلب، وسواهما، يستطلع رأي الأيوبيين في تولية الملك وتذكرت ود المنى وسوداء بنت الفقيه، مدركة أنه هذه العقارب ستتحرك في هذه الساعة بسمَّها القاتل لتثير القلاقل وتحرض بني أيوب على رفض الخضوع لها، والعمل سريعا لانتزاع الملك منها.

كما جعلت تفكر فيما يكون من خليفة بغداد الذي تتبعه البلاد اسما، وفي خلعته التي لا يتم السلطان لأحد إلا بها، ولا يُقرُّ الناس جميعا بالخضوع لأحد إلا بعدما يمنحها ازدحمت تلك الخواطر في رأسها وجال فكرها يبحث عن حلِّ لهذه المشكلة المعقدة)).

5- رسالة توسل واستعطاف من مرجريت إلى شجر الدر:

((وفيما هي في تفكيرها بلغتها رسالة تأثرت لها، وبدا في وجهها آثار العطف والرقة والحنان حين قرأتها.

كانت هذه الرسالة من دمياط، بعثتها الملكة (مرجريت) امرأة لويس التاسع، تتوسل فيها إلى صاحبة الستر الرفيع أن ترحم ضعفها وتطلق لها زوجها، وتفرض ما تشاء من مال وتناجيها بعاطفة المرأة الغريبة التي فقدت الزوج والأهل والوطن، وعاشت في رعب ينتابها كلما ذرَّ صباح وأظلم مساء، وتصف لها غرور لويس وتسرعه، وطمعه الذي أغواه ودفعه إلى هذا المأزق ودفع بها معه)).

6- شجر الدر تقبل الفدية لإطلاق سراح الأسرى:

((رقت شجر الدر للدموع المنهمرة التي تفيض على القرطاس وأذنت للفرنج بأن يبعثوا برسلهم للمفاوضة، مفضلة أن تملأ الخزائن الخاوية بالمال، من فدية لويس وأسراه على أن تقتلهم، قائلة لنفسها:

"وماذا تجدي تلك الدماء ولو جرت أنهارًا؟! إنهم لم يعودوا شيئا، وسوف يرحلون بائسين نادمين فرحين بالنجاة من الموت المحقق"

وأوصت مندوبيها بأن يقبلوا الفدية مشروطة بأربعمائة ألف دينار)).

7- مرجريت تحاول تدبير الفدية:

((رضى الفرنج بدفع الفدية فرحين بإطلاق سراحهم ثم عادوا يفكرون!  ليس لديهم ما يدفعون، فكيف يتصرفون؟!

جعلوا يتوسلون إلى صاحبة الستر الرفيع أن ترحم عجزهم، وتخفف هذه الفدية الثقيلة عنهم، ما دامت قد تعطفت وقبلت تكرمًا أن تطلقهم وعرضوا أن تتفضل بقبول الصف معجلا والنصف الآخر يؤجل حتى يبلغوا عكا، بعدما يسلمون دمياط.

وكم كانت فرحتهم حين رضيت صاحبة الستر الرفيع، واخذت عليهم المواثيق بالوفاء، وأسرعت الرسل إلى (مرجريت) بالبشارة فكفكفت عبراتها ولم تعقب، ونهضت مسرعة تجمع المال وتفتش عنه في كل مكان، وتتوسل إلى من حولها أن يضحوا بآخر ما يملكون؛ ليفكوا القيد عن رقابهم، حتى جمعت نصف الفدية، وأرسلته إلى السلطانة بين اليأس والأمل)).

8- المصريون يودِّعون لويس التاسع بشماتة وسخرية:

((ومن الباب الكبير لدار ابن لقمان، إلى الفناء الفسيح إلى الطريق، خرج لويس من سجنه يتلفت حوله، غير مصدق، يسأل نفسه: أهو في حُلم أم يقظة ؟!))

والطواشي صبيح الحارس ينظر إليه في سخرية، ثم التقى بأخويه وبالأسرى الذين كادوا يطيرون من الفرح، وتقدموا إلى السفن التي حملتهم إلى معقلهم الأخير، ثم وقفت تنظر إليهم ضاحكة وهم يجرون أرجلهم متعثرين إلى مراكبهم ناكسي الرءوس يتقطر الأسى من وجوههم حتى أقلعت، والمصريون يودِّعون بالشَّماتة منشدين في سخرية من قول جمال الدِّين بن مطروح في لويس الحزين ومن معه:

أتيت مصرا تبتغي مُلكها
فقل لهم إن أزمعوا عودة
دار ابن لقمان على حالها

 

تحسب أن الزمر يا طبل ريح
لأحذ ثأر أو لفعل قبيح
والقيد باقٍ والطواشي صبيح

كان ذلك النشيد الساخر يتردد على شاطئ دمياط، وشجر الدر في قصرها تردد هذا النشيد باسمة، وفكرها سابح في المشكلات الأخرى التي بدأت تطل برءوسها، وبخاصة من جانب الشام)).


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -