أخر الاخبار

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الرابع (عَقبة في طريق الأمل)

 قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الرابع (عَقبة في طريق الأمل)

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الرابع (عَقبة في طريق الأمل)


1- نجم الدين وشجر الدر يحلمان بدخول مصر:

((وعندما استقر نجم الدين، وشجر الدر في دمشق قالت شجر الدر في سرور:

"منزل سعيد يا مولاي، وما بعده أسعده بإذن الله"

قال الصالح نجم الدين وهو يُسرح بصره بعيدا، ناحية مصر:

"ولكن كيف الوصول إلى مصر؟!"

"أعاننا القدر ودخلنا دمشق، بغير أن نرفع سيفا أو نريق دمًا، أما بعد هذا فالطريق شائك ولا أدري ما خُبئ لنا فيه من سويف بني أيوب وكمائنهم وخُبث الفرنج وتدبير سوداء بنت الفقيه، وكيد أتباعها الموجودين في صفوفنا")).

2- شجر الدر تقوى عزيمة نجم الدين:

((قالت وبريق الأمل يلمع في عينيها:

"بعزم مولاي تهون الشدائد، وبتوفيق الله نزول العقبات وتنهد الرَّواسي، وليس مع الشجاعة والعزم الصادق في صعب، ولا مع الإيمان بالحق مستعصٍ، علينا أن تُدبر والله الكريم هو الملهم والموفق، فالله يرى هذه الأمة ومصابها، ويعلم حاجاتها في هذه الظروف إلى مولاي، وسيُعينه على أن ينتقم من أولئك الغزاة الذين دنسوا الأرض الظاهرة".

قال نجم الدين:

"كلام جميل يا أم خليل! يعجبني منك قلبك الثابت، ونفسك الوثَّابة التي لا يعتريها الكلال، ولا ننال منها الشدائد"

فأسرعت في نبرات واثقة قائلة:

"وكيف لا، وملاي نجم الدين الأيوبي هو مصدر قُوتي وشجاعتي، يمنحني العزم والإقدام، ويفتح أمامي آفاق")).

3- نجم الدين يستقبل عمَّيه مجير الدين وتقي الدين:

((وفيما هما يتناجيان، إذا بالحاجب يعلن لنجم الدين وصول عمَّه مجير الدين وعمَّه تقي الدين من مصر، واستئذانهما عليه، فانصرفت شجر الدر، وأذن لهما نجم الدين، فدخل عليه عمَّاه، ودمعهما بعض أمراء مصر، وقضوا بقية الليل يحدثونه عن فرارهم من العادل، وعن مصر وما تردَّت في حمأته، وإلحاح الشعب على أن يمد إليهم نجم الدين يده، ويسرع بالقدوم، وتخلصيهم من شر العادل وحاشيته، ونجم الدين يسمع ويفكر، حتى صاح به تقي الدين قائلا في حماسة واستعطاف:

"الواجب يدعوك يا مولاي، فمتى تُلبي داعيه؟! واجب على مولاي أمام الله أن ينهض إلى مصر، ويطفئ النار المشتعلة بها قبل أن تحرقها، إن مصر قوة هائلة يا مولاي إذا ضعفت صعف الشام معها، إنها القلب النابض لكل جيوشنا، فهلا عجل مولاي بالرحيل إليها؛ لينتشلها مما هي فيه")).

4- نجم الدين يفكر في الخروج إلى مصر:

((فكر نجم الدين فيما سمع واقتنع به، فهو يعرف أن مصر قوة عظيمة يستطيع أن يضرب بها الفرنج الضربة القاضية، وينهي قصتهم في هذه البلاد؛ فهو لا ينسى مآسيهم ولا يغفل عنهم، ولا يغيب عن باله أنهم أخذوه رهينة في موقعة دمياط التي نشبت في عهد والده الكامل، حين هاجموا هذا الثغر عام ستمائة وخمسة عشر للهجرة؛ ليدخلوا منه مصر)).

5- نجم الدين يطلب مساعدة عمه إسماعيل:

((لذلك أرسل إلى عمه إسماعيل يطلب منه أن يسرع إليه؛ ليساعده في دخول مصر ولم ينتظر وصول عمَّه فاندفع بجيشه مسرعا إلى مصر، وظل يتابع المسير به حتى بلغ نابلس فاستولى عليها ثم وقف ينتظر وصول عمِّه إسماعيل)).

6- مؤامرة خبيثة للجاريتين ورد المنى ونور الصباح:

((ولكن قبل أن يصل كتاب نجم الدين إلى حقه الصالح إسماعيل، كان كتاب ورد المنى ونور الصباح قد بلغ إسماعيل، يبلغانه فيه باتفاق نجم الدين والجواد، ويحذرانه من خطر ذلك عليه، فردَّ عليهما يحثهما على بث الفرقة بين جنود نجم الدين، ولاسيما من معه من الأيوبيين إلى أن يرى رأيه، ولم تتمهلا، فقامتا على الفور بالاتصال بعميه: مجير الدين وتقي الدين اللذين يصاحبانه، ودار بينهم حديث طويل سخرت فيه ورد المنى منهما، وهزئت من صبرهما على الطاعة لجارية من الجواري تأمر وتنهى، وحذرتهما من البقاء مع نجم الدين، وخوفتهما بطش شجر الدر إذا تم لها الأمر، مؤكدة لهما أنها تسعى للمُلك لنفسها لا لابن أخيهما نجم الدين، وأنها إذا وصلت إلى المُلك قضت على الأيوبيين صغيرا وكبيرا وبخداع المرأة ودهائها ولباقة ورد المنى انخدع الرجلان، وعاونا على إشاعة الفرقة بين أتباع نجم الدين من الأيوبيين)).

7- هجوم إسماعيل على دمشق:

((وبينما كان الأمير نجم الدين ينتظر وصول عمَّه الصالح إسماعيل، أقبلت الأنباء إليه بأن إسماعيل هجم على دمشق بجيش ضخم، واقتحمها، حاصر قلعتها)).

8- نجم الدين يقرر العودة إلى دمشق:

((قال نجم الدين لعميه:

"ماذا تريان في هذا الموقف الحرج؟".

فأسرع مجبر الدين قائلا في عجب: "ماذا تر؟! وهل الأمر يحتمل التشاور والأخذ والردَّ ؟!"

"أموالنا وأولادنا هناك! أننتظر حتى ينهب الصالح إسماعيل دمشق، ويقبض على أهلنا ويذيقهم الهوان؟!"

وهكذا أجاب تقي الدين قائلا:

"ماذا أرى؟! أليس من الأفضل أن تعود؟! وكيف تتقدم خُطوة واحدة وظهرنا مكشوف؟! أتأمن أن يسرع إسماعيل خلفنا، ويحصُرنا بين نارين: ناره ونار العادل وجيوش مصر؟! ".

فاشتد عجب نجم الدين لهذا التبدل من عميه، وكظم غيظه، ولم ير أمام هذه الظروف العصيبة، إلا أن يوافقهما، ويقرر العودة إلى دمشق، وأسرع بمن معه عائدا حتى بلغ القصير، ولم يكن من رأى شجر الدر أن يعود، فقد كانت تفضل التقدم إلى مصر، ومن هناك يعرف نجم الدين كيف ينتزع دمشق ويؤدب الصالح إسماعيل، وجنوده)).

9- سقوط دمشق في يد إسماعيل:

((وعند القُصير أقبلت الأنباء بسقوط قلعة دمشق في يد الصالح إسماعيل، فعاد نجم الدين يسأل عميه عما يريان فيما صنع إسماعيل، ويؤكد لهما أنه لا يرى جدوى من العودة، وأن خُطوة إلى الأمام خير من خطوة إلى الخلف، فأسرع مجير الدين يجيب في صوت ساخر:

"ونترك أهلنا وأموالنا؟! نتقدم إلى هدف مجهول، وندع ما في أيدينا؟!"، ولم يتمهل هو وأخوه، وأمرا أتباعهما ومن أغرياه بالعودة، فانطلقوا إلى دمشق وتركوا نجم الدين، ليس معه سوى مماليكه وامراته شجر الدر)).

10- شجر الدر من أزر نجم الدين:

((قالت شجر الدر في عبر اكتراث لهذه الحوادث المتلاحقة:

"لا بأس على مولاي! كل ما جرى دون عزم مولاي وشجاعته وصبره، وما خلق الرجال إلا ليجابهوا الصعاب ويتغلبوا على الشدائد".

"وكيف نتصرف اليوم يا شجر الدر؟ لم نحسب حساب إسماعيل وخبثه وأطماعه، وتركنا دمشق قبل أن نُسوِّي حسابنا معه، وكان الأجدر ألا نخرج منها قبل أن نقبض عليه، ونسجنه أو نأخذه معنا!"

أجابت في هدوء:

"وقد كان معنا مجير الدين وتقي الدين وكثير من بني أيوب، فهل أغنى شيئا أن كانوا بيننا ؟! من خلفنا يا مولاي عقارب تسعى، وأظافر تحفر، وأمور تدبر! وهذه تجربة ساقها الله إلى مولاي؛ ليعلم أنه لا بد من أن ينبذ هؤلاء الحاقدين الذين لا تصفو قلوبهم، ويبحث عن آخرين يحبهم ويحبونه، لا تنطوي أفئدتهم على حقد أو تفوز بأطماع")).

11- شجر الدر تقترح على نجم الدين أن ينشئ جيشا من غلمانه:

((لن ينفعك يا مولاي سوى غلمانك الذين تنشئهم على طاعتك، وتملأ قلوبهم بحبك، تأتي بهم صغارا فتكون لهم الأب والأخ والعم، وتزيد منهم حتى تصل إلى ما تريد.

كل بني أيوب يا مولاي طامع في المُلك، لا حديث لصغيرهم ولا لكبيرهم سوى الحكم والسلطان، ينبتون في حمأة الخلاف والتباغض والتحاسد، فتنمو الفرقة في صدورهم، ويشب كل منهم على حقد آبائه وأطماعهم، لا يعرف إلا التخاصم والتنازع والعمل على انتزاع ما كان والأجداد والإخوة والأعمام، دون النظر إلى القوى القادر، الذي يحمل الأعباء، وينهض بوزرٍ الحكم الثقيل!

كل واحد منهم يا مولاي يعيش في دوامة الطمع، لا يفكر في قدوته واستعداده، ولا يعرف ثقل الحمل الذي يُوضع على عاتقه إن قُيضَ له أن يحكم حتى الأبله منهم يا مولاي يظن أنه يستطيع!)).

12- داود هو الأمل الوحيد في الخروج من المأزق:

((هز نجم الدين رأٍسه مرات، ثم قال:

"معك حق يا شجر الدر، وكيف نخرج من مأزق اليوم؟! تدبير بيت بليل كما تقولين، فما العمل؟!"

"الأمل في جانب واحد يا مولاي! في جانب داود صاحب الكرك".

"عجبا! وهل يُرجى من داود خير؟ إنه مرة معنا ومرة علينا، وكل همه أن يصل إلى مُلك الشام الذي كان لأبيه، وأنا اليوم أشد خوفا من جانبه، فإذا علم بما نحن فيه، هاجمنا وانتهى منا!".

قالت مسرعة:

"إنه لن يهاجمنا، ولن يقضي علينا؛ لأن ذلك يقوى عدوه إسماعيل، وأرى أنه في حاجة ألينا؛ لنعاونه على أن يـأخذ دمشق! ألا يرى مولاي أن نبعث إليه، ونُمنيه بها، ونضمه إلينا، ونتقوى به في هذا الموقف، ولا إخاله إلا مستجيبًا ؟!" 

وكان داود في ذلك الوقت في مصر لطلب معاونة الملك العادل على بلوغ دمشق.

وافق نجم الدين على ما اقترحت شجر الدر، وشكر لها رأيها الصائب، وكتب توًّا إلى داود يعده ويمنيه، وأسرع الرسول بالرسالة، ينهب الطريق إلى مصر)).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -