أخر الاخبار

 قصة – كفاح شعب مصر | الفصل الرابع (مصر الثائرة)

قصة – كفاح شعب مصر | الفصل الرابع (مصر الثائرة)


(أ‌) المقاومة في الإسكندرية والقاهرة

1- بطولة محمد كُريم:

((مضت الأيام وإذا بمصر تُصاب بكارثة جديدة، لقد جاء إليها نابليون بونابرت غازيًا بجيش كبير.

وقبل نزوله إلى الإسكندرية أرسل رسوله إلى السيد محمد كُريم زعيمها وقتئذٍ يؤمِّنه على مركزه، ويعرض عليه البقاء في منصبه إذا هو ساعد الجيوش الفرنسية على النزول إلى أرض الوطن.

ولكن هذا البطل المصري لم تخدعه هذه الألفاظ البرَّاقة وأبى أن يترك بلاده فريسة لهذا الأجنبي الغاصب، أبى أن يلقى سلاحه من يده، وعاد يُكافح على رأس بقية مِن الأحرار المجاهدين، حتى قبض عليه رجال نابليون، وأرسلوه للقاهرة لمحاكمته.

ولم يسع نابليون إلا أن أَوحى إلى المجلس العسكري الذي شكَّل لمحاكمته أن يحكم عليه بالقتل رميًّا بالرصاص، مع مصادرة أمواله وأملاكه، على أن يكون له الحق في افتداء نفسه بثلاثين ألف ريال وصدر الحكم كما أراد نابليون)).

2- عُمر مَكرم يتزعم الثورة:

((واتجهت أنظار المصريين بعد ذلك إلى زعماء يثقون بهم ويعملون برأيهم ويهتدون بهديهم فكان السيد عُمر مكرم في طليعة هؤلاء القادة والزعماء)).

((ولم يكن عمر مكرم بالزعيم الذي ينتظر دعوة أو هتافا بل رأى أن الواجب يُناديه إلى العمل وإلى مكافحة هذا العدو، ومجابهة هذا الخطر، فتقدم الصفوف وراح يُذكِي الوطنية في الصدور، وينظم الصفوف في كل حيّ وفي كل مكان)).

3- نابليون يؤمن بصلابة المصريين:

((وآمن نابليون أنه أمام شعب عنيد، لن يسكت حتى تعود له حريته واستقلاله ويجلو الفرنسيون عن أرضه، وأنه لن تهدأ ثورة هذا الشعب إلا إذا تحققت مطالبه كاملة، وأدرك نابليون بونابرت أنه لن يستتب له الأمر وشعب مصر على هذه الحال)).

4- مغادرة نابليون مصر خفية:

((وغادر بونابرت مصر خفية في أغسطس سنة 1799 عندما علم بتدهور مركز فرنسا الحربي في أوروبا، وأمر نابليون أن يكون كليبر قائد الفرنسيين في مصر من بعده، ولم يكن نابليون بونابرت قد قابل كليبر قبل سفره أو استشاره فيما فعل، فكان غيظ كليبر عظيما وغضبه شديدا، عندما علم بهذه الحقيقة)).

5- عودة المصريين للكفاح في عهد كليبر:

((وفي عهد كليبر عاد المصريون للكفاح من جديد، فإذا بثورة عنيفة صادرة من أعماق القلوب، تنبعث من القاهرة مرة ثانية، ولقد وصف المؤرخون الأجانب كفاح شعبنا.

المصري المجيد في هذه الثورة بأنه فاق كل حد، إذ تعاون الجميع رجالا ونساء كبارا وصغارا وجاد كل فرد بأكثر مما يستطيع فهذه سيدة تجود بحليها ... وهذه عذراء تجود بمهرها ... وهذا ثرى يجود بأرضه، وهذا مواطن يجود بنفسه وروحه.

لقد قام أهل القاهرة بما لا يستطيع أحد أن يقوم به، فقد صنعوا القذائف من حديد كن يأخذن جنود فرنسا قهرا إلى المنازل القريبة للقضاء عليهم ودفنهم تحت الثرى.

بهذه الحماسة الشديدة، والتعاون العظيم والوطنية الصادقة المستعلة في الصدور، دافع وصمدوا للمستعمرين سبعة وثلاثين يوما، ولكن الغاصب المستعمر كان قد حاصر منافذ القاهرة بالمدافع الثقيلة وحال دون وصول الأغذية إلى جماهير الشعب، حتى خيم شبح الجوع على أهل القاهرة جميعا، وعندئذٍ حمل المستعمر حملته على المجاهدين والمكافحين ومع ذلك ظل الشعب ثائرا لا الجوع يُخيفه، ولا المدافع تُرهبه)).

(ب‌) المقاومة الشعبية في منطقة البحر الصغير

1- حسن طوبار زعيم للمقاومة الشعبية في المنزلة:

((لم تقتصر مقاومة المصريين بجنود فرنسا على أهل القاهرة وحدها، بل وجد الفرنسيون من شعب مصر في كل مكان ما وجوده من أهل القاهرة.

لقد اندلعت ثورات محيلة كبيرة لا حد لها، ولا حصر، وكان في طليعة المناطقة التي أبدت مقاومة شعبية مجيدة يذكرها التاريخ في فخر وإعجاب، منطقة البحر الصغير الواقعة بين المنصورة وبُحيرة المنزلة، تحت قيادة زعيمها الشعبي (حسن طوبار) هذا الرجل العظيم الذي تردد اسمه في رسائل بونابرت ومذكرات قوَّاده، كرمز للمقاومة الشعبية الباسلة التي لقيها الفرنسيون في أ{ض وادي النيل.

كان حسان طوبار زعيما لمنطقة المنزلة، وكانت له الزعامة أيضا على شكان شواطئ هذه البحيرة ...

كانت له مراكب صيد كثيرة.

ولم تكد تبدأ حملة بونابرت على هذه المنطقة حتى اتصل حسن طوبار بمشايخ القرى والبلاد وأهلها، وراح ينظم صفوفهم، ويثير الحمية في صدورهم ويحرك فيهم رُوح الوطنية المتأصلة في أعماق قلوبهم، حتى استطاع أن يستفزهم للمقاومة والصمود أمام هذا العدو الدخيل المستعمر)).

2- فشل الفرنسيين في اجتذاب حسن طوبار لصفوفهم مرتين:

((حاول الفرنسيون أن يجتذبوه لصفوفهم، فما ضعف وما لان، فاضطر الفرنسيون أن يرهبوه ويُرهبوا رجاله، فتحركت حملتهم واتجهت إلى بلدة الجمالية في هذه المنطقة عن طريق البحر.

وما إن وصل الفرنسيون بمحاذاتها حتى وحلت سفنهم في بحر أشمون من قلة المياه فيه، فانتهز الشعب هذه الفرصة وراح يُمطرهم وابلا من الرصاص والأحجار، ونشبت معركة عنيفة دامت خمس ساعات وانتهت بنصر الشعب المصري، وانسحب الفرنسيون ولكن أن تمكنوا من إشعال النار في هذه البلدة وإحراقها كان لانتصارنا في المعركة يا ولدي أثر عظيم فقد رفع ذلك الروح المعنوية لهذا الشعب وحاول الجنرال فبال بعد ذلك أن يجتذب إليه حسن طوبار مرة ثانية ... ولكن هذا الرجل الكبير رفض هذا الغرض.

هكذا وقف شعبنا المجيد في إصرار وعزم أمام جيش فرنسا وقوادها وجنودها ... وقف بشجاعته .. وقف بإيمانه بحقه وبثقته وبنفسه، وقف بصبره على الشدائد والمكار فكتب لنفسه النصر والبقاء والخلود)).

(جـ) المقاومة الشعبية في الصعيد:

1- المقاومة في نجع البارود:

((بعد ذلك أ، نزل الفرنسيون أرض مصر وتغلغلوا فيها، وسيطروا على أجزاء كثيرة منها سارت سفنهم في نهر النيل، متجهة نحو الصعيد، حتى وصلت إلى قريبة جنوبي قنا تسمى نجع البارود.

وما إن رأى أهل البلدة سفن العدو حتى غضبوا وثاروا، واندفعوا نحوها اندفاع رجل واحد برغم أن عدد هذه السفن قدة بلغ اثنتى عشرة سفينة محملة بالذخيرة والأغذية.

نزلت جموع الناس الغاصبة في ماء النيل، سابحة نحو سفن العدو، ووصلوا إليها وهجموا عليها، واستولوا على ما فيها من ذخائر، واستخدموا ما أخذوه من بنادق في مهاجمة الباخرة التي كانت تحمل القائد الفرنسي، حتى جنحت إلى الشاطئ، فتصاعدت صيحات الجماهير الغاصبة، توالت طلقات الرصاص نصيب جسم السفينة.

ولكن القائد الفرنسي لم يشأ أن يترك سفينة للثوار، فأشعل النار هي مخزن البارود وتصاعدت السنة النيران في الجو.

ونزل الثُّوار إلى ما النيل في أعقاب القائد الفرنسي .. وأدركه أحد الشُّبان الأشداء وهو يُصارع الموج، ثم حمله إلى الشاطئ وقد أنهكه الإعياء وفوق الشاطئ، لفظ هذا القائد الفرنسي أنفاسه الأخيرة.

وانتقلنا مما حدث تتابعت هجمات الفرنسيون على طول الطريق من أسوان إلى قُوص، وأخذت الثورات تغزو الصعيد كله من الشمال إلى الجنوب ودبَّت حركات المقاومة في كل مكان)).

2- المقاومة الشعبية في أبنود:

((وعند بلدة أبنود دارت معركة شديدة بين قوات الشعب والجنود الفرنسيين.

وقف وسط هذه المعركة شاب ثوي يسمى (أحمد الأبنودي) يدعو إلى الصمود ومقاومة العدو قائلا: "لقد عزمت على أن أثأر من هؤلاء الفرنسيين الذين جاءوا لاغتصاب أرضنا ولادنا، حتى ولو كان في ذلك موتي ونهايتي".

فما كان من أهل البلدة إلا أن صافحوه وعاهدوه على المقاومة لمواجهة العدو القادم إليهم، وقد أمسك كل منهم بمدفع حديث مما استولى عليه أهل الصعيد من الجنود الفرنسيين.

وجاء الجنود الفرنسيين بجنودٍ وعتادٍ كثير، فتحصن أحمد الأبنودي وبعض رفاقه في موقع حصين بالبلدة، وراحوا يُطلقون الرصاص على العدو القادم نحوهم .. فما كان من جنود العدو إلا أن أشعلوا النار في مساكن البلدة فأصبحت كتلة نيران ودخان.

وظل أحمد الأبنودي يقاوم ساعة بعد ساعة، وسط النيران والدخان، وكان قد احتمى بقصر مهجور لأحد المماليك وبمسجد قريب منه ... وبعد فترة غير قصيرة تخور قوى الفرنسيين وتكف مدافعهم عن الضرب ويشرعون في الانسحاب.

وقبل انسحابهم يشعلون بعض الفتائل ثم يلقونها على القصر والمسجد.

ونصب الفرنسيون مدافع جديدة، وشرعوا يشنون حربا طاحنة على الشعب، وفي هذه المرة كانت المدافع جاهزة بحيث لم يستطع الأهالي أن يصمدوا أمامها طويلا.

وأحدثت الطلقات ثغرات في المسجد والقصر، فتسرب منها الجنود الفرنسيون إلى الداخل، وأشد ما كانت دهشتهم عندما وجدوا أنفسهم محصورين بستار من الدَّخان أعمى أبصارهم، وأذهل عقولهم فأصابهم الإغشاء وسقطوا على الأرض كما تتساقط أوراق الخريف، وصعد أحمد الأبنودي إلى المئذنة وفي يده مدفعه، وأخذ في وسط النيران التي تُحيط به من كل جانب يرسل الطلقات بعد الطلقات، وهو يقول:

"الله أكبر ... الله أكبر".

وانقضى النهار وأحمد الأبنودي مُعلق فوق المئذنة وهو يسدد الضربات إلى الفرنسيين وعندما حلَّ الليل تسلل الأبنودي من المسجد، بعد ان لبس ثيابا أخرى وترك الأولى في المئذنة.

وعندما جاء الصباح في اليوم التالي، خُيِّلَ لأحد الجنود الفرنسيين أن أحمد الأبنودي واقف في المئذنة لا يتحرك فوجد في نفسه الشجاعة للصعود إلى المئذنة للقبض عليه وأشد ما كانت دهشته عندما أدرك أن هذه ثيابه وأنه قد انسحب.

هذه صورة من صور مقاومة الشعب المصري لجيش فرنسي جاء يحتل بلده)).

أهم 20 سؤال من الفصل الرابع ( مصر الثائرة) | قصة كفاح شعب مصر (الترم الأول)

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -