ما الفرق بين الكسل والصبر ؟
(التحليل العلمي للكسل والكُسالى)
إن ثمة تنوع في مواقفنا وكيفية التعامل معها بجانب أفكارنا ومشاعرنا وحديثنا مع أنفسنا وكذلك خواطرنا، فمعظمنا يفقد الآلية المناسبة والطريقة الصحيحة التي يستخدمها للتعامل مع مواقف حياته أو حتى للتعامل مع نفسه، هناك سبب أوضح ألا وهو جهلنا بما يحدث داخلنا أو الغفلة عما يحدث خارجنا وترجمة ما يحدث داخلنا أو ما يجري أمام أعينا، وهذا شئ طبيعي، فالله خلقنا لا نعلم شيئًا، ولكن أعطانا الوسائل التي تؤهلنا باستقبالنا للبيانات والمعلومات وكذلك الحركة وتطبيق ما يدور داخلنا بعد الترجمة لمشاعرنا وغرائزنا، فقد نُصيب وقد نُخطئ لكن الله وضَّح لنا الصراط المستقيم وأنزل علينا آياته لكيفية تطبيقها في حياتنا وكيفية السير على ذاك الصراط والنجاة من أي خطأ ، مثال على ذلك ..
إن الإنسان عبارة عن تركيب شديد التعقيد بأنه جُمع بين (الجزء المحسوس المرئي) + ( الجزء المعنوي غير مرئي)، فهو جَمْع بين أطراف الميزان، فمن الحكمة أن يحيا بهذا الميزان ، فنسبة الخطأ تعود إلى الإنسان نفسه، والدليل سورة البقرة | " .. وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) " فالآية كفيلة عن تلخيص أخطاء الإنسان في ترجمة ما يدور داخله وخارجه ، فُالحُبُّ والكره - هنا - مشاعر ناتجة عن أفكار ساكنة أو متحركة بقلب الإنسان بمرور الوقت تصير الركائز التي يعتمد عليها الإنسان في حياته، فترجمة لما يحدث داخلنا أو علاقتنا بشئ ما أن كُره جعلنا نبتعد عنه وعن فعله حتى إن كان ذلك خير له، أو الله منحه إيانا وكذلك الحبُّ الذي قد يتدخل الشيطان فيه لجلب شئ ما لنا عن طريقة لغة الحب، فمن هنا يأتي الخطأ في الترجمة ومنها يُخطئ الإنسان في سيره في الحياة ، ومن أهم هذه الأخطاء هو الجهل بالتفرقة بين الكسل والصبر ، فهناك مواقف يتعامل معها بكسل ، وهو في اقتناعه أنه صابرًا ، وهناك أشياء يتعامل معها بصبر وهو يشعر ويخشى أن يكون كسولًا ، ما الأمر ..
ما الكسل ؟
إن الكسل هو البخل في الإنفاق ، هو البخل في العبادة، بل هو عبادة شئ دون الله تعالى ، هل تًصدق مدى خطورة ذلك، إن الأمر خطير جدًا ، فالكسل هو فتنة شيطانية يزرعها إبليس في القلب بكل طرقه ، فكل ما أمرك الله به وفي إمكانياتك وقدرتك أن تفعله ولا تفعله هو كسل ، نعم فالكسل هوعصيان العبد لربِّه ،جاء الكسل في القرآن بمعناه (البخل)، بالرغم من أن الله وضع قانونًا وأخبرنا به أن لا أحد سينال النجاح أو الفلاح في الحياة حتى نتحرك، ونأخذ بالأسباب ، حتى المعجزات التي جاء بها الأنبياء لم تتم لوحدها ولكن كان النبي هو من يأخذ بالأسباب والأمثلة كثيرة ، يقول الله في سورة آل عمران | " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) " ، والكسل هنا عدم الإنفاق فهو يحرمنا من البر، ويحرمنا من أن نكون من الأبرار، فالأبرار ليسوا كُسالى ، فالإنسان بتأثير الشيطان صار يبخل أن ينفق مما يحب ، فالبخل (الكسل) مذموم في القرآن الكريم.
- في سورة النساء | " لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) " ، إذن فهو آية من الله وقانون وُضِِعَ أن الكُسالى لن ينالوا البر وأيضًا لا يستووا بالمجاهدين ، إلا أولي الضرر : أي الذي لُحِقَ به أي ضرر من مرض أو إصابة تمنعه من الحركة ، وأيضًا الكُسالى حُرِموا من خيرات الله .
- سورة النساء | " وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)" فتحول فُضل الله ببخلهم إلى شر لهم لا خير لهم وفي الآخرة سيُميزون عن المجاهدين ، فالكُسالى مفضوحين يوم القيامة ، هذا بجانب العذاب الذي يُهين النفس .
- من سورة النساء | " الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (37)" ، فتحولوا في الدنيا ليس فقط بالكسل ، بل بدأ بأمر الناس بالكسل مثلهم، وهذا ما يفعلوه المجتمع، قريبًا سنطلق مقالات بعنوان ( فساد المجتمع)، فالكسل يغير النعم التي منحها الله إياك وجلب لك الفقر ، فلكما زادت نسبة الكسل في حياتك زادت نسبة الفقر ، وهذا ما يريده الشيطان، لا يريد غير أن تكون عبدًا لدون الله فقيرًا في الحياة مريضًا لا تحمل حتى قوت يومك ..
إن الله وضع داخلنا الغرائز لكي تدفعنا للتحرك مثل الشعور بالجوع ، فالطعام ليس له أي قيمة بدون غريزة الجوع والإطعام فلولا الشعور ما تحركنا ولبينا ذاك الشعور ولم تتم عملية الغذاء لأنها سبب مهم جدًا في بقاءك على قيد الحياة ، وكذلك الحياة كلها ، فبخلك هو أول خطوة في بُعدك عن الله وأول خطوة للسير في طريق آخر غير سبيل الله ، بل هو بداية كُفرك بالله الرزاق الوهاب رب العالمين ، كأن ما تمتلكه من (طاقة- وصحة_ أموال) أنت السبب فيها ليست من فضل الله ، بل صرت تؤمن داخلك أنك أنت الإله المسيطر على الكون كله وتخشى أن تقوم ببذل جهد أن تٌنقص من صحتك ، أو تنفق من أموالك أن تُصيب بالفقر حتى إن كنت تمتلك خزائن الله كلها، فالكسل صار عادة ومرض ملتصق بك في أي حال ، فدافعك عن الكسل هو إما خوفًا من شئ في المستقبل أو حزنًا على شئ في الماضي وكلاهما هو نتيجة تدخل الشيطان حياتك واستجابتك له ، فسبحان الله ، من سورة النساء| "قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100) "
أصحاب الكسل
في الحياة الدنيا لن يشعروا بالحياة نفسها، بل بمتعة التخزين المزيف فقط ، هم فقراء النفس ، حتى إن كانوا يملكون أمولًا كثيرة، فنفوسهم فقيرة لا تعبد الله الرزاق، بل تعبد دون الله إما أنها تعبد الأموال، أو تعبد الفقر نفسه، إما تعبد الاستقرار وإما تعبد الحاضر ، والخوف في التغيير للأسوأ ، مع أن من الحكمة أن لكي ننال الخير لابد أن نُنفق ، أما في الآخرة فهم مفضوحين أمام الملأ بجانب عذابهم المهين لأنفسهم الفقيرة التي كانت تعبد ما دون الله ، كما أنهم بكسلهم هذا يقتربون من صفة المنافقين، ومن صفات المنافقين أنهم كُسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون أي مُجبرين على ذلك حتى في صلاتهم لله التي لن يدفعوا فبها أموالًا لكنهم يبخلون وفالكسل امتلأ كل حياتهم ، ونتيجته هو الدرك الأسفل من النار (جهنم).
كما أنهم صاروا من الكافرين بالله صراحة يقول الله تعالى في سورة التوبة | "وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)"، حتى في ذكرهم لله الذي لا يُكلفهم شيئًا ، أيضًا يبخلون بذلك ولا يذكرون الله إلا قليلًا ، مع أنهم يعرفون الله جيدًا لكن الكسل سيطر على حياتهم ، انظر إلى صفاتهم في كتاب الله من سورة النساء | "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)" ..
كيف اكتشف الكسل في حياتي ؟
إن الكسل شئ واضح جدًا في الحياة، لكن معظمنا قد يُخطئ ويترجم ذلك إلى صبر ، ولكن الفرق واضح فعلاقتك بربك هي بمثابة الكشاف للكسل وللحياة كلها ، عن طريق مراقبة علاقتك بنفسك فيما تُفكر وفيما تشعر وفيما تتحدث مع نفسك ؟ ، اعلم أولًا أن أي تكليف من الله لك أن تستطيع أن تفعله ، فإذا لم تفعله فهذا كسل ، أما في تفكيرك ، فقد يكون الكسل موجود في تفكيرك وذلك إذا كنت تُفكر في الماضي وشعورك بالحزن ويمنعك هذا من القيام بشئ أمرك الله به الآن فهذا بداية الكسل
،من المعروف أن اليوم ينقسم إلى نهار وليل ، والساعات التي تظهر فيها الشمس هي أطول من ساعات غيابها في فصل الصيف ، والعكس في فصل الشتاء، وهذا معناه أن تكون حركتك ونشاطك يساوي سكونك ، وفترة سكونك من بينها الراحة ، ففترة سكونك ليست كلها راحة، فإذا كان نصف اليوم 12 ساعة، فليكن منهم 5 ساعات سكون تام، مثلا و7 ساعات مخصصة للنوم، أما عن الـ5 ساعات الخاصة بالسكون ، فتكون مثلا في تركيزك وتفكيرك في شئ ما ، في عمل الأشياء التي تتطلب السكون، والتركيز أكثر ..
فإن اختل الميزان ، كنت إما مستعجلًا أو كسولًا ، وكن على علم أن بقدر نسبة وجود الكسل في حياتك، بقدر ما يجعلك مُستعجلًا لكل أمورك، لأنك ضيَّعت الكثير من وقتك، فالكسل هو أول شئ يبعد عنك الصبر ويجعلك مستعجلًا، بجانب كسلك..
كيف أتخلص من الكسل ؟
للتخلص من الكسل عليك بتجنبه وتجنب كل الطرق المؤدية إليه أو الأسباب التي تجلبه إلينا، وكن على علم أن بذل جهدك أو إنفاقك لأي شئ خاص بك هو قانون وُضِع في الكون، ولا يُنقص من مُلك الله ، بالعكس أنت بهذا تؤمن بالرزَّاق وتعبد الله فيما تفعل ، وأنك تطبق قانون الله ولم تطغِ في الميزان ، وكما رزقك الله أمس سيرزقك اليوم وغدًا ، اطمئن مع الله ، فالوقت يمر مهما فعلت ومهما لم تفعل ، وكذلك صحتك وكذلك طاقتك وكذلك أموالك، فإن لم تنفقها بإرادتك عبادةً لله إما شكرًا على نعمة أو حمدًا له أو تسبيح في الكون ، أو عمل صالح، فستنفقها رغمًا عن أنفك ، إما أن تصبح فقيرًا فتضطر إلى المذلة في أي عمل تحت أمر أي شخص آخر ، لتجلب أموال لتغطي احتياجاتك، وإما أن تكون هزيل النفس فقير كل الطاقات، فتصير عابدًا لغير الله بمعنى أن تسمع لكلام شخص آخر وتطيعه لأنه يجلب لك الأنُس والحب، وإما أن تكون مريضًا فقير الصحة ، فتنفق من أموالك التي كنت تبخل بها على الناس وعلى نفسك، الآن صرت تنفقها رغمًا عن أنفك في شراء الدواء على مدار الأسبوع لكي توقف هذا الألم الذي يؤلمك ، فسبحان الله كان بالأمس خيرًا لك وصار اليوم شرًا لك، وهذا نتيجة كسلك أيها العبد ..
الخلاصة
لا تنسَ أبدًا أنك عبدًا لله تعالى ، هو الذي خلقك وهو من علَّمك وهو من رزقك، فلا تبخل في الحياة من أن تنطلق وتعمل وتُفعِّلُ كل شئ تستطيع فعله عبادةً لله لا احتياج منك ، حتى إن كنت في وفرة من الصحة والحركة والطاقة والغنى ، فعبادتك لله لم تتوقف ولن تتوقف لأنك أولًا وقبل كل شئ عبدًا لله تعالى " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) "
بالنسبة لموضوع الصبر نظرًا لطول المقالة جعلناه في مقالة أخرى منفصلة بإذن الله قريبًًا جدًا ستجدونها ( المقالة القادمة بإذن الله )
شارك المقالة مع من تحب
1 تعليقات
احسنت النشر بارك الله فيك اخي الحبيب
ردحذفمع انى مكملتش قراءه
نهتم بتعليقاتكم التي تفيدنا وتحفزنا في المزيد من خدمتكم