أخر الاخبار

 قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الثامن (العهد الجديد)

قصة – طموح جارية (شجر الدر) | الفصل الثامن (العهد الجديد)


1- نجم الدين يفكر في إصلاح مصر:

((وما إن تولى الصالح نجم الدين مقاليد الحكم في مصر حتى أخذ يفكر فيما يقدمه لمصر التي هوى بها العادل إلى هوة الفقر ووهدة الحاجة والفساد ويفكر فيما يصنع بداود واطماعه، وبعمه الصالح إسماعيل وألاعيبه، كما أمر بإطلاق سراح فخر الدين ابن شيخ الشيوخ)).

2- عقبات كثيرة تعترض تحقيق الآمال:

((أما شجر الدر فكانت سعادتها بالغة، وقد أقبلت على نجم الدين تُهنئه بملك مصر، وبقرب تحقيق الآمال لكنه قال لها:

"الطريق طويل يا شجر الدر، ولا إخال الأمور تلين بسهولة، فأمامنا ذئاب وثعالب، وهل تظنين تلك السيوف التي ارتفعت لتحيتنا كلها لنا؟! كثير منها يرتقب، وعديد منها أرغم على الخضوع، وغدًا تخرج الأفاعي من جحورها، وتسعى العقارب بالفساد، وما دام العدو في بلادنا، فلن تهدأ ولن تطمئن.

ولن تهدأ البلاد يا شجر الدر، إلَّا إذا أًلقي الفرنج في البحر أو نثرت أشلاؤهم على وجه الرمال، ولن تنام الخيانة إلا إذا قطعت أيديها الملوثة، والسلطان خلاب يا شجر الدر، يتلهف الجاهلون على ما يرون فيه من المظهر البرَّاق، ولا يدرون ما خلفه من ثقيل الأوزار!

ولستُ أدري كيف ألفُّ حولي قلوبا صافية، أطمئن إليها واثق بها.

ومن أين لي بتلك القلوب؟!  وكيف أجدها؟! أودُّ أن أطير إلى الفرنج اليوم قبل الغد، ولن يتهيأ ذلك بغير القوة الخالصة من دنس الأطماع!")).

3- شجر الدر تُعيد اقتراحها على نجم الدين:

((وكانت شجر الدر تترقب الفرصة؛ لتعرض شيئا هامًا تود أن يستمع إليه نجم الدين، فوجدت هذه الفرصة قد سنحت، فأسرعت قائلة:

"نعم يا مولاي، لا بد من تلك القلوب النقية، التي تدفع السيوف بإيمان وعزم، ولي أرى يا مولاي في العثور على تلك القلوب، كنت عرضته ونحن في نابلس، بعدما تخلَّى عنا بنو أيوب، وتركونا وعادوا إلى دمشق، أتذكره يا مولاي؟".

قال وهو يهز رأسه مقتنعا:

"رأي صائب يا شجر الدر وسأبدأ من الغد بتنفيذه، فأشتري مماليك أقوياء أذكياء أربيهم كما أريد، وأنشئهم كما أشاء، أربيهم على الفضائل وأعدهم ليوم النزال ... ")

4- إقامة قلعة جديدة لتدريب المماليك:

- (("وتقيم لهم يا مولاي قلعة أخرى غير هذه، غير قلعة صلاح الدين في مكان أشد تحصينا، وأكثر بهجة من هذا المكان الذي يطل على الجبل قلعة تعرف باسم نجم الدين، لا يسأم ساكنها منها، تحرسها السفن ويحتضنها النيل الفياض، ويبعث بأمواجه القوة والشهامة في صدر الجنود.

- موضع بهيج حصين يا مولاي، وقعت عيناي عليه وأنا أنظر إلى النيل في وقت الأصيل، في الجزيرة المقابلة للفسطاط في مكان البستان الشامخ الأشجار، تشمخ أبراج قلعة نجم الدين، وتقف في وسط الماء كأنها النسر المحلق في الهواء! "

أعجب نجم الدين بهذا الرأي، وزاد وجهه انبساطا، والتفت إلى شجر الدر، وانثنى إليها قائلا:

- "محاربة ماهرة، خبيرة بالقلاع والحصون والمواقع ...!"

- "وخبيرة بالقلوب يا مولاي!"

فزاد نجم الدين انبساطا، واستطاب الحديث، وقال في نشوة:

"ثم ماذا يا شجر الدر؟!".

قالت في حنان: "هل يرى مولاي أن يُرجئ الحديث، وينال قسطا من الراحة يمده أياما بعد ذلك العناء؟")).

5- حياة المصلحين كلها تعب:

((فأسرع قائلا باهتمام:

"ماذا تقولين أيتها الشعلة من الذكاء والعزم؟! وهل يخلد المصلحون إلى الراحة؟! أيامهم كلها نصب، وحياتهم كلها جهاد، ليلهم تفكير ونهارهم تدبير وتنفيذ معاركهم متلاحقة؛ لأنهم يكافحون الشر والشر لا ينقطع ولا يهدأ")).

6- تأنيب لـ (العادل) على إهداره مال الشعب:

(("أول شيء وقبل كل شيء، أود أن اطمئن على مال الدولة، فهو حياتها وعصبها، ودماؤها التي تمنحها القوة والنماء، وفي الصباح سأسأل الخازن عما بيده منها، لا، لن أنتظر الصباح فهو بعيد!"

ونهض مسرعا إلى القاعة الفسيحة، ودعا الوزير ومعين الدين ابن شيخ الشيوخ ليُقبلا على عجل، فالأمر لا يحتمل الإبطاء، على أن يُحصرا معهما السلطان المخلوع العادل من محبسه، وبعد قليل وقف الجميع أمام السلطان نجم الدين، وأخذ السلطان يؤنب العادل على ما أضاع من المال، ويدق كفَّا بكف، ويصبح قائلا في غضب شديد:

"ما هذا أيها الإنسان الذي لم يرعَ حق الله والوطن؟!

دينار واحد، كل ما بقي في الخزانة من الألوف المؤلفة، التي أعدها الكامل للشدائد؟! كيف تصرفت أيها السلطان الطفل؟! ومن أفهمك أن هذا المال مالك أنت؟!

ألم تعلم أيها العابث أنه مال الشعب، لكل امرئ فيه نصيب، ولكل فرد فيه حق؟!

ألم تعلم أن هذا المال لا ينبغي ان ينفق إلَّا فيما يعود على البلاد بالخير؟

أيكفى هذا الدينار وتلك الدراهم لنفقة الجيش وإعداد السلاح والعُدد، أم لنفقات الإصلاح التي ينبغي أن يُسارع الحاكم بها؟! أم لغيرها من الأبواب الواسعة؟!

أوردت البلاد موارد الهلاك أيها المخلوق، أنت وأمك سوداء بنت الفقيه! لم ترعيا حقًّا ولم تنظرا إلى واجب!")).

7- نجم الدين يستعيد الأموال المنهوبة:

((وفي تلك الأثناء كان الجنود يهاجمون بيوت حاشية العادل، ومنازل أولئك السفهاء، الذين حُملت إليها الدنانير من خزائن الدولة في أقفاص، هدايا من السلطان الغافل، ويسوقونهم بما نهبوا، حتى أوقفوهم أمام نجم الدين وتلك الأموال بين أيديهم، فألقى عليهم نظرة غاضبة، ثم أمر الوزير بردِّ العادل إلى السجن، وبرد تلك الأموال إلى الخزائن، وإلقاء أولئك اللصوص في ظلمات المحابس، حتى يرى فيهم رأيه.

وبات ليلته هادئا لأنه اطمأن على المال، ولم ينم وقطع ما بقي من الليل يبحث شئون الدولة مع وزيره، وشجر الدر على علم بما يدور وما يُدبر)).

8- وصول الأخبار الخفية إلى نجم الدين:

((وأبو بكر القماش لا ينقطع عن نجم الدين، يبلغ الأخبار الخفيَّة، وينقل إليه كل ما يدور بين الناس، وذات يوم أقبل عليه وسلَّم وجلس، ولما سأله نجم الدين عن البضاعة الجديدة، قال باسما:

"بضاعة مستوردة، جاءت مع مولاي، ودخلت مصر في ركابه!".

- "من يا أبا بكر؟! تعني داود؟!".

- "نعم يا مولاي ومن حوله من ضاربي الحديد وسيوف الأحداق!"

فقهقه نجم الدين طويلا، ثم أرجع البصر إلى أبي بكر وقال باسمًا:

- "عرفنا سيوف الحديد يا أبا بكر، وهم الأمراء الذين يجتمع بهم داود ويدبر معهم الإثم، فما سيوف الأحداق؟".

- "سوداء بنت الفقيه يا مولاي عنده، فرَّت إليه عندما علمت بأنه يجمع الأعداء ويلف حوله الساخطين والحاقدين، ويدبر وإياهم للانتقاض".

- "هذا سيف من سيوف الأحداق يا أبا بكر، والسيوف الأخرى؟!".

- "جاريتان من جواري مولاي، ورد المنى ونور الصباح، عند داود، لا تهدأن عن تدبير الشر في ليل ولا في نهار!".

9- نصيحة غالية من شجر الدر لزوجها:

((فصاح نجم الدين مهتزًا من شدة الغضب، يأمر بالقبض عليهم، وأتبع ذلك صائحا بالقبض على الأمراء ومن بينهم داود، فأسرعت شجر الدر قائلة بصوت رقيق هادئ:

"لا يا مولاي! حتى لا تكون حركة عارمة، تمكن داود مما يشتهي، فيصطاد في الماء العَكر!"

- وما الرأي يا شجر الدر؟!"

- "ألا يقبض مولاي على الأمراء، ويبعث إلى داود من يوهمه بأن مولاي سيقبض عليه، فإذا أحسَّ بذلك انخلع فؤاده، ورحل في طيِّ الظلام، مسرعا إلى الكرك، وكفانا شرَّه وشر من معه وحينذاك يفرغ مولاي إلى الأمراء ويأخذهم واحدا واحدا، فنحن لا نزال في أول الطريق")).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -