أهم بداية في حياتك (إذا أردت التغيير)
في حياتنا - منذ بدايتها- استفهامات كثيرة تسيطر على حياتنا وكلما تمر الأيام علينا كلما تترك فينا أسئلة ، وهذه الاستفهامات تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل شخصياتنا،ومن هذه الأسئلة ( كيف أبدأ حياتي ؟ ) ، ( كيف أجددها أو كيف أغير حياتي من جديد) ؟ ولكن قبل أن أجيبك اسمحلي أن أسألك سؤالًا (متى شعرت بالحياة ؟)، أو بمعنى أوضح ما الشئ الذي دفعك لتطلب هذا الطلب ، إن إجابتك على هذا السؤال هي في حد ذاتها إجابة للسؤال المطروح ، وإليك الإجابة ..
لابد من نهاية أولًا :
نعم، قبل البداية لابد من نهاية أولًا، أي قبل أن تبدأ حياتك من جديد أو تغييرها، لابد أن تكون هناك نهاية لشئ ما، فكما أن الصناعة لا تبدأ من العدم، لابد أن يكون هناك مواد خام يُصنع منها، فكذلك حياتك، إذا أردت التغيير لابد من نهاية، وهذا ما تجده أنت في حياتك، فكل ما مضى من عمرك هو جزء من حياتك فلو افترضنا أن هذه الفترة كانت المواد الخام التي أعطاها الله لك، وما ينبغي عليك في الفترة القادمة أنت تستخدم هذه الموارد جيدًا لكي تصنع شيئًا عظيمًا، إذا كنت متفق معي دعني أبين لك شيئًا، الله وحده هو من يخلق أي شئ يريده وقت ما يريده من العدم أو من شئ آخر، لكننا - نحن البشر- هل ينطبق علينا هذا ؟ بالطبع لا، فالله وحده هو المختلف عن ما دونه، إذن ما العمل ؟
إن الإنسان هو آخر مخلوق خُلق في الكون، وبما أنه كذلك فهوالأصلح في الاستخلاف في الأرض، ولكن هل الأمر عشوائي أم بنظام ؟ , وهل هذا النظام من الإنسان نفسه، أم مِن الذي خلقه واختاره وكلَّفه بهذه المهمة ؟ بالطبع أكيد من الله تعالى، فإذا أردت الحياة اجعل أهم بداية في حياتك هي الله مهما كانت حالتك .. ببساطة.. ترقب الذي يرتوي بالماء في نفس اللحظة التي يشرب وعند دخول الماء بطنه كانت اللحظة التي تسبقها هي نهاية للظمأ، وكذلك عند آخر نقطة ماء تخرج من المعدة إلى الدم أو توزيعها على الجسم، كان ذلك نهاية للشبع وبداية للظمأ والاحتياج للماء، فالطفل عندما يُولد هل كان ظمأن أم كان يعتمد على طريقة معينة في الغذاء من (مأكل ومشرب وتنفس)، وعندما خرج للحياة، بدأ يشعر بالجوع والعطش، لأن هذا كان نهاية طريقة ما عندما كان جنينًا في بطن أمه..
هكذا الحياة يا رفيق كل يوم يمر عليك هو بداية جديدة ونهاية جديدة، نهاية لما مضى وبداية لما هو أتٍ، فأنت الآن تريد التغيير، هل ستغير الحياة نفسها ؟ ، أم ستغير أفعالك أنت ؟ ، بالطبع الأخيرة ؛ لأن عندما تغير من أفعالك ستتغير النتائج ، وإذا استمررت عليها، ستكون النتائج ثابتة ، أي دائمة معك مستمرة فأهم بداية هي تنظيف لما هو مضى وهذا اسمه في القرآن الكريم ( التوبة) ، (التطهير)، ( التزكية) :
1- التوبة
هي بداية البداية ، فمن يريد البداية عليه بالمفتاح، فمفتاح البداية هو التوبة، فمن يريد أخذ أجمل ما مضى من حياته أو يستفيد بها في المستقبل، أو التخلص من أشياء لا يريدها، عليه بالتوبة، لأنها أفضل شئ في تنقية الماضي من الشوائب التي لحقت بك - سواء بقصد أو دون قصد - وكذلك إذا كنت تريد فعل شئ جديد في حياتك، ولكن هناك فعل آخر في حياتك يمنعك ويثبطك على فعله ، الحل هو التوبة، وكأنك تأخذ كل أمورك وأفعالك وشئونك إلى الله، وتقول له ماذا أفعل في هذا ؟ وماذا أفعل بذاك ؟ ، والله سبحانه وتعالى طمئن قلبك بخصوص التوبة حيث قال في سورة الشورى 42 - 29 " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25".
إن التوبة هي الإرادة الكاملة في تنقية الماضي وتنظيفه والاستفادة بأحسن شئ في ماضيك ونقله معك في المستقبل،فمن يريد ذلك سيفعل والله هو من يعفو عن سيئاتك اطمئن ، وأيضًا يعلم ما ستنوي به، وكأن التوبة ليست كل شئ كما ذكرنا فهي فقط مفتاح للبداية , فالله قالها لك سيقبل توبتك وسيساعدك في تنقية ماضية ، بل هو الذي سيمحي سيئاتك من كتابك ومن ذاكرتك ومن قلبك ومن صدرك ومن حياتك كلها، ولكن هل التوبة مفتوحة إلى الأبد ؟ هذا السؤال سنجيب عليه قريبًا ، ننتقل للمستوى التالي ألا هو ..
2- التطهير
ما علاقة التطهير بالتغيير ؟ وما علاقة التطهير بالتوبة ؟ كلنا نعلم أن النظافة البدنية مفيدة جدًا لأجسادنا وهي إحدى طرق الوقاية من الأمراض ، كذلك النفس ، فالتطهير هو كغسل القلب دوريًا على مدار اليوم والتخلص من أي خُبث لحق بك، فالقلب مثل الفلتر الذي يسمح بدخول أشياء معينة ويمنع أشياء معينة، فوظيفة الكليتين هي تنقية الدم- قبل أن يعود للقلب- من الشوائب أو فضلات الخلية التي أتت منها الدم، فإذا ضعفت كفاءة الكليتين زاد نسبة الشوائب كالأملاح في الدخول على القلب ومنه إلى باقي الجسم ، بالرغم من أن هذه الشوائب أتت من الخلية نفسها لكن إذا أتت إليها مرة أخرى ستضرها مثلها مثل فضلات الطعام التي تخرج من الجهاز الهمضي ، فهذه الفضلات لا يستفيد منها الجسم وإذا لم تتخلص منها أو بقيت في الجسم أتت الأمراض ودق جرس الإنذار في كل أجهزة جسمك، فالتطهير هو التخلص من كل الشوائب سواء من الناحية الفسيولوجية أو النفسية (القلبية) ، فقم بتطهير قلب على الدوام من كل الشوائب ، ومن أهم تلك الطرق هي :
1- الوضوء والاستحمام بكامل جسدك .
2- الاستماع للقرآن الكريم | (( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) )) سورة الواقعة
3- الصلاة لله | (( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (114) )) سورة هـود
4- السكون والجلوس وحيدًا ( ولكن لابد أن تكون مُطهرًا) لعلك تلاحظ أننا ذكرنا بعض النقاط السابقة في مقالة (أفضل طريقة للتخلص من الاكتئاب نهائيًّا) (هنا)
أما الإجابة عن سؤال التطهير والتغيير، فالتغيير شئ متوقف على التطهير المستمر، فكلما طهرت جسدك وقلبك (نفسك) جاءك النور الذي يرشدك إلى الإجابة عن السؤال الأصعب في حياتك ( أين أذهب ؟ ) ، ( ماذا أفعل؟ )، أما عن علاقة التطهير بالتوبة، فالتطهير جاء بعد التوبة في القرآن الكريم أي الخطوة التالية للتوبة هي التطهير، وهي علامة على إرداتك الحقيقية في التغيير ، دعني أضرب لك مثالًا ، هناك طفل يريد الارتواء (إزالة الظمأ)، فما هي الخطوات التي يفعلها كي يرتوي ( إحضار الماء في كوب) ، (قبض يديه على الكوب) (فتح فمه وبلع الماء) وها الآن ارتوى الطفل ..
نفترض أن الإرتواء ( هو إرادة التغيير) ، و الشعور بالظمأ هو (الماضي)، وإحضار الماء هو (التوبة) ، إمساك الكوب باليد هو (التطهير)، وبلع الماء، هو (التزكية)، والآن حدث التغيير بالفعل وهو التحول من حالة الظمأ لحالة الارتواء، إذن فلن تقوم بالتطهير إلا إذا قمت بالتوبة أولًا يقول الله تعالى في سورة البقرة 1-2 (( .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ))
3- التزكية
وهي الخطوة المهمة، والترقية للمستوى الأعلى ألا وهو عودة الاتصال والصلة بين (جسدك)، و(نفسك)؛ فبعد أن أصبح قلبك مهيًّا في تنقية الشوائب والأفكار والأحاسيس والمشاعر وصار قلبًا (منيبًا لله) جاءت الخطوة التالية وهي تزكية النفس، وهي مرحلة شبيهة بالتطيهر، ولكن ما علاقة التزكية بالتغيير ، النفس مثل الجسد تمامًا ، فكما أن الجسد يُبنَي ويكبر وينمو، فلابد لنا أن نطعمه بالطعام المناسب ولا نزد في كذا ولا نقلل من كذ، فكذلك النفس، تحتاج إلى التزكية ، فالتغيير عمومًا مرتبط بالنفس، والنفس لابد أن تكون على تزكية، فالتزكية هي اهتمامك بنفسك على الدوام، هو تركيزك التام على نفسك بمشاعرك وأفكارك ومراقبة وساوسها ومدى درجة تقواها ، والتحسين المستمر لها وكأنك الطبيب لها المعالج لأي ضرر يلحق بها أو يمس بها ..
وقريبًا بإذن الله سنتحدث
عن ( أفضل طريقة للتعامل مع نفسك) أسرار كثيرة عن النفس لا تعرفها يمكنك معرفتها بقراءة مقالة (أسرار لا تعرفها عن نفسك)
- سورة ق 26 | (( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ))
- سورة الشمس 30 | (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) )) الخلاصة إذا أردت التغيير، حدد ما الذي تغيره بمعنى ما الشئ الجديد الذي سيدخل حياتك، وما الشئ القديم الذي لا تريده في حياتك، ثم قم بتطهير جسدك وقلبك للتهيئة للخطوة التالية، وألزم نفسك على ذلك واصبر وزكِّي نفسك على الدوام لأنها هي المسئولة الأولى على التغيير الذي سيحدث لك كما كانت مسئولة على ما مضى وما لحق بك ، فقبل أن تبدأ قم بأهم بداية وهي التوبة لله ثم تطهير جسدك وقلبك ، ثم تزكية نفسك ..
فلتبدأ هذا العام بالتغيير واجعل شعارك فيه
(التوبة - Repentance) + ( التطهير - Purification) + ( التزكية - Approval)
هذه المقالة من سلسلة مقالات ( أنت لوحدك) التي وعدناكم بها ترقبوا باقي السلسلة قريبًا بإذن الله
***
إذا كان لديك أخي الحبيب / أختي الحبيبة أي تساؤل أو استفسار حول هذا الموضوع اترك تعليقًا وسأرد عليك قريبًا بإذنٍ من الله، وأشكركم من كل قلبي على قراءتكم وتواصلكم الجميل الذي يدل على كرم نفوسكم الكريمة .. كحلاوي حسن
* إليك أحدث قائمة لدينا من سلسلة التحليل العلمي :
1-التحليل العلمي للكسل والكُسالى .
2- التحليل العلمي للصبر والصابرين .
3- أهم بداية في حياتك (إذا كنت تريد التغيير)
* يمكنك قراءة هذه المقالات الحصرية :
1- أفضل طريقة للتخلص من الاكتئاب
2- كيف تتعامل مع أفكارك ؟
3- أسرار لا تعرفها عن نفسك .
0 تعليقات
نهتم بتعليقاتكم التي تفيدنا وتحفزنا في المزيد من خدمتكم