أسرار لا تعرفها عن نفسك
يتناول الكثير من العلماء دراسات عن طبيعة النفس وصفاتها إلى أن جاءوا بعلم جديد وأسموه علم النفس psychology، وتفرع هذا العلم إلى علم النفس التربوي Educational Psychology، علم النفس الاجتماعي، Social Psychology ، وظهر علم لدراسة الإنسان وأسموه بعلم الإنسان Anthropology أو الانثروبولوجيا لكن هل بالفعل استطاعت هذه العلوم في إفادة الإنسان بشكل واضح أم وضعته في قوالب أو برمجة بشرية ؟ مصممة على دراسات بشرية أيضًا، ففي هذه المقالة سوف تتعرف على نفسك لأول مرة في حياتك بهذه الطريقة فأهلًا بك قارئ الحبيب .
من أهم الأخطاء التي وقع فيها أصحاب علم النفس وعلم الإنسان، أنهم جعلوا للعقل نوعين : (عقل واعي، عقل لا واعي/ باطن)، بل نظرتهم للعقل نفسه خاطئة، وكذلك أهملوا القلب بشكل كبير جدًا في طبيعة معاملة الإنسان، وأضافوا استراتيجيات خاطئة في إيجاد حلول لمشكلات الإنسان ولكن جاء الإسلام بالطريقة الصحيحة والنظام الربَّاني السليم الذي ليس فيه أي عوج، فمن الصحة أن نأخذ صفات النفس من الذي خلقها لا من الذي درسها، نحاول أن نُفيدك في هذه المقالة وإليك التفاصيل.
1- كيف تتم عملية التفكير؟
إن القرآن عندما يتحدث عن العقل - لم يتحدث على كونه جهازًا أو عضوًا مثل العين أو القلب - بل يذكره دائمًا على هيئة الفعل وليس الاسم، ولم يذكر في آية واحدة كلمة (عقل)، بل يذكر (يعقلون)، (يتدبرون) (يتفكرون) (أولوا الألباب)، إذن فالعقل : هو الحالة التي تكون عليها أنت في التفكير، أو العقل هو : عملية التفكير نفسها كما سنوضح.
هناك فرق كبير بين المخ والعقل، فالعقل ليس له أي مكان في جسم الإنسان، لأنه ببساطة حالة وفعل مثلك مثل عملية الكتابة مثلًا، فهل للكتابة مكان في جسمك أو هل هي عضو في أي جهاز في جسمك، فالمخ هو يحتوي على مركز لإدارة الجسم من الناحية الفيسولوجية كما يوجد به ذاكرة لهذا الجسم وأيضًا مخزن للأفكار.
فالدماغ به : (مركز إدارة الجسم) + (ذاكرة لهذا الجسم) + (مخزن للأفكار التي يستقبلها الإنسان)، وعملية التفكير نفسها ليست محصورة في المخ أو العقل كما يزعمون، ولكن هي عملية: إرسال واستقبال ومعالجة واستنتاج (تدبر)، هذا المعنى الصحيح للعقل.
إذن فالعقل هو عملية التفكير / التفكر : (إرسال واستقبال ومعالجة واستنتاج) وهي من أكثر العمليات المجهدة للدماغ والقلب، حيث إنهما العضوان المشاركان في عملية التفكير/ التفكر، لأنها تحتوي على أكثر من مرحلة.
فالإنسان يستقبل ملايين من الأفكار في عمره عن طريق الحواس وتدخل ذاكرته (مخزن الأفكار)، وتتفاعل هذه الأفكار أي تترابط مع بعضها البعض إما بالتشابه أو بالتنافر، فالأفكار المتشابهة/المتراحمة لها مكان خاص، والأفكار المتنافرة لها مكان آخر والأفكار الجديدة كذلك، والأفكار المتداولة بكثرة وهكذا .
ولكن هناك سؤال مهم قد يطرأ على ذهنك وهو : (كيف تتكون الأفكار في البداية ؟)
في حقيقة الأمر أن الأفكار أو مكان الأفكار تنشأ من يوم 40/ في آخر شهرين وأنت جنين (قبل مولدك)، وعند مولدك تبدأ الذاكرة في النشاط - بمرور الوقت - ويبدأ دماغك في الاستعداد في استقبال ملايين الأفكار، فعندما تشعر بالجوع يبدأ المخ بإرسال إشارات لجهازك الهضمي يستقبل الإشارة الجهاز ثم يبادله الإشارة بإشارة معناها (أن ليس معي أي غذاء)، فيبدأ المخ في إرسال إشارات قلبك ، يستقبلها القلب ويبدأ في الفحص عن أي فكرة في الذاكرة التي تعبر عن جوع وعندما لم يجد أي فكرة،يأخذ الفكرة الوحيدة التي دخلت ذاكرتك وهي الصراخ، فتبدأ بالصراخ أو البكاء لتعبيرك عن جوعك، وعندما تتغذى وترتوي يعود الجسم في حالته، ويبدأ مركز إدارة الجسم في النشاط أكثر من الأول؛ لأنه لم يكتمل نضجه.
أما على مستوى التفكير، فتبدأ الفكرة من أي حاسة بك، فإذا رأيت شخصًا فتدخل الصورة من عينيك إلى مخزن الصور، وعندما ترى نفس الشخص مبتسمًا تدخل الصورة أيضًا في ملف صور هذا الشخص، وعندما يرتدي ملبسًا مختلفًا عما كان يلبسه بالأمس يدخل أيضًا في مخزن / بيانات هذا الشخص، وعندما يتكلم معك وأنت لن تفهمه، تدخل كلماته في ملفه الخاص في المخزن مع صوره، وعندما يمسك يديك تدخل هذه البينة في ملف ذلك الشخص، وكلما تنشط الحواس في استقبالها كلما تدخل أفكار أكثر في ذاكرتك، يتعامل معها في الترتيب (مركز إدارة جسمك/ المخ) لأنه المتحكم في الحواس التي تستقبل هذه الأفكار لأن الحواس من الجسم وترسل وتستقبل إشارات للمخ.
ويأتي دور القلب - بمرور الوقت - في تحليل هذه الأفكار وفي إعادة ترتيبها أو كما سميتها في بداية المقالة بـ(المعالجة)، فيبدأ في معالجة الأفكار ووضع كل فكرة في مكانها الخاص من جديد وترتيب وربط الأفكار وفصل بين بعض الأفكار والتحقق من بعض الأفكار، وكأنه إنسان يُعيد ترتيب مكتبته من جديد، وعندما ينتهي من ذلك بشكل مبدئي، يبدأ في استخدام هذه الأفكار / المستقبلات التي استقبلها منذ أعوام أو أيام في إفادة صاحب هذا القلب، وتبدأ العملية في نشاطها عندما يتعلم الإنسان القراءة والكتابة.
وإليك هذه المقالة المهمة جدًا بعنوان : (أسرار لا تعرفها عن القراءة) يمكنك الرجوع إليها من هنا .
فكل هذه العملية يمكننا تسميتها بالعقل، والعقل أيضًا هو وسيلة الاتصال بين النفس والجسم والروح، فالجسم هو ما تراه أنت الآن من أعضاء وأجهزة، والنفس هي المتحكمة في هذا الجسم، والروح هي طاقة هذا الجسم وتلك النفس، فالقلب والمخ هما وسيلة الاتصال بين الثلاثة التي تم ذكرها، بمعنى أنك عندما تكون وحيدًا، تكون النفس حاضرة معك بشكل كبير، فترسل إليك عن طريق (قلبك / مخك) ما تحتاجه قد يكون قراءة شئ ما، أو إعادة التفكير في شئ ما وهكذا.
إذن فلا يوجد شئ اسمه عقل باطن أو عقل لا واعي، لأن كلمة عقل أصلا تدل على زمام الأمر والتحكم فيه، فكيف يكون متحكمًا وهو لا واعي وأيضًا الذي يقوم بعملية التفكير هو القلب في المقام الأول، فدوره هو الفحص البحث في ذاكرة الأفكار، وإرسال واستقبال بينها وبين النفس.
فعندما تُفكر في الله وأنت لا تراه، يتسأل قلبك أو بمعنى أدق يبحث عن صورة لله في ذاكرة الإنسان فلم يجد أي صورة دخلت من عينيه لمخزن الذاكرة، فيصاب بالقلق قليلًا، فترسل له نفسه أن الله لا تراه في هذه الحياة، وتدخل هذه الفكرة إما عن طريق التفكير المستمر أو تفاعل الأفكار الموجودة في الذاكرة، وإما عن طريق قراءتك لآيات الله تعالى أو الاستماع إليها أو عند تواصلك مع شخص آخر يدلك على الإجابة .
بعد أن تعرفت على عقلك الحقيقي ، ودور قلبك الحقيقي ، ما السؤال الذي يمكنك طرحه عليّ الآن ؟
2- ما احتياجات النفس ؟
أول ما تحتاج إليه النفس هو العبادة، فلا بد لها من عبادة ولا تستقر إلا بالعبادة، مثل الماء، فالصفة السائدة للماء أو من أدواره الواضحة هي الحركة، فإذا توقف عن الحركة يتعفن وتظهر به كائنات أخرى تبدأ في التغذية على هذا الماء إلا أن يموت، هكذا النفس لابد أن تجد إلهًا لها، حتى إذا لم تعبد الله وحده، فقد تعتبر أي شئ إلهًا لها واعتقادًا لها. لماذا كل هذا ؟
لأن ببساطة خُلقت النفس لإفادتك في عبادة الله، بل خُلقت لعبادة الله وحده، فلكل شئ رب ، والرب الحقيقي لهذه النفس هو الله عزَّ وجلَّ.
ثاني ما تحتاجه هذه النفس هو الحياة مع الله، فعندما تتعرف على الله، تحب أن تكون معه على الدوام، انظر في صلاتك -إذا كنت مسلم - ما شعورك في سجودك ؟ ، ما شعورك عندما تجعل إنسانًا آخر يبتسم ؟ ، ما شعورك عندما تصوم لله تعالى ؟ ما شعورك عندما تساعد أحد في الخير؟ إلخ .
فالأعمال الصالحة تعشقها النفس حتى وإن كان جسمك يتألم أو يشكو من كثرة التحرك، لكن سرعان ما تستريح وتنام فيذهب الألم، لكن النفس إذا تألمت سيكون الألم أصعب من ألم الجسم والتخلص منه أصعب أيضًا من ألم البدن، وعلماء النفس وقعوا في خطأ كبير جدًا ويُمارس إلى يومنا هذا وهو الاسترخاء والتنويم بالإيحاء، فكل هذه الاستراتيجيات تساهم في راحة البدن لا النفس وقد تُزيد من تعب النفس أكثر مما كانت عليه ولتفصيل ذلك إليك ما يلي :
النفس ترتاح عندما تكون مع الله، قريبة من الله، تعبد الله في كل شئ، فأي تعب تلقاه نفسك سيكون نتيجة بُعدها عن الله، أو عدم التزامها في عبادتها لله، أو شركها بالله، أو سيطرة الشيطان عليها، فكيف يكون هذا السبب ونُعالجه بالتنويم والاسترخاء، فعلاجها طويل ويكون نتيجته على المدى البعيد ، بمعنى بمرور بعض الوقت كي تستعيد نفسك حيويتها وصوابها، لكن كل ما يقدمه علماء النفس مثل الوجبات السريعة التي تُقدم اليوم، طمعها جميل جدًا وجذَّاب لكن سرعان ما يُهضم بسرعة وليس به فوائد غنية بالغذاء بل طعهما فقط هو الجميل، ومع مرور الوقت سيضر بعض أعضاء أو أجهزة الجسم لأنه لا يأخذ غذائه الحقيقي، فالذي تغذى في الحقيقة هو لسانك فقط لا جسمك، وهذا ما يحدث للنفس إذا جربتَّ ما يقدم من أمثال (اليوجا) أو (الهيب نوسس) أو (الرياضة الروحية) او (المساج) فكلها تُفيد الجسم وقد تضر النفس بشكل كبير جدًا، مثل التنويم المغناطيسي إذا فعلت ذلك بمفردك أو بإشراف مُدرب، سيكون ذلك جميل في وقت حدوث العملية (أثناء قيامك بالتنويم) لكن بعد ذلك بيوم واحد قد يزداد اكتائبك وحزنك، فالحل إما أن تذهب يوميًا للمدرب أو تتعلم هذه الطريقة التي تعتبر مسكن للمشاكل، أو تذهب للحل الحقيقي وهو الله، فاذهب إلى الله وكن معه واعبده واصطبر لعبادته، ومع مرور الوقت ستذهب وتطير كل المشاكل، وتأخذ العلاج الحقيقي الذي يفيدك بالفعل في حياتك على الدوام .
يمكنك التعرف على أنواع النفس أو مراحل النفس من خلال قراءة سلسلة مقالات (بداية للنفس قوية) من هنا .
الخلاصة
أنت أيها الإنسان لك جسمك الخاص بك ونفسك الخاصة بك وروحك الخاصة بك، بالتفكير والتدبر تتصل كل هذه الثلاثة ووسيلة التواصل بينهم القلب والمخ، وكل ما تحتاج إليه نفسك هو عبادة الله ، وما يحتاج إليه جسمك هو النظام والتطوير، وكل ما تحتاج إليه روحك هو إعطاء الطاقة اللازمة للشئ المناسب لها والصحيح.
ما دورك تجاه نفسك ؟
تذكر دائمًا قول الله تعالى في القرآن الكريم : (عليكم أنفسكم)، وحديث النبي أبو القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن لنفسك عليك حق) ، إذن فعليك واجبات ودور لازم تؤديه لنفسك ، لكي تحيا حياة طيبة.
1- أن تُعطي لها ما تحتاجه كي تُعطي لك ما تحتاجه أنت.
2- في أي مشكلة تحدث لها اصبر مع علاجتك لها .
3- كن دائمًا صديقًا صدوقًا مع نفسك كي تُرشدك لطريقة الله.
4- خذ السعادة منها وأخرجها للعالم، لا تفعل العكس.
5- كافئها بالأشياء التي تحبها.
6- حافظ عليها فهي نعمة وأمانة من الله، ولا تجعل الاكتئاب أو ما شبه ذلك يدخل نفسك لأنه سيدخل قلبك ويسيطر على كل حياتك.
7- إذا أردت لنفسك الحياة كن مع الله.
***
إذا كان لديك أخي الحبيب / أختي الحبيبة أي تساؤل أو استفسار حول هذا الموضوع اترك تعليقًا وسأرد عليك قريبًا بإذنٍ من الله، وأشكركم من كل قلبي على قراءتكم وتواصلكم الجميل الذي يدل على كرم نفوسكم الكريمة .. كحلاوي حسن
شارك المقالة مع من تحب
يُفضل قراءة المقالة مرة أخرى لكي تستوعب جيدًا
مواضيع تهمك :
* إليك أحدث قائمة لدينا من سلسلة التحليل العلمي :
1-التحليل العلمي للكسل والكُسالى .
2- التحليل العلمي للصبر والصابرين .
3- أهم بداية في حياتك (إذا كنت تريد التغيير)
* يمكنك قراءة هذه المقالات الحصرية :
1- أفضل طريقة للتخلص من الاكتئاب
2- كيف تتعامل مع أفكارك ؟
3- أسرار لا تعرفها عن نفسك .
* * *
لمتابعة مبادرة (اقرأ من جديد) اضغط هنا
4 تعليقات
الله عليك يا فنان ربنا يوفقك يارب
ردحذفنفع الله بكم هذه المقالة وجعلها في ميزان حسناتكم وحسناتي .. تحياتي
حذفالموضوع جريئ ومفيد بجد نشكر قلمك وسلمت يدك من أي سوء
ردحذفنفع الله بكم هذه المقالة وجعلها في ميزان حسناتكم وحسناتي .. تحياتي
حذفنهتم بتعليقاتكم التي تفيدنا وتحفزنا في المزيد من خدمتكم